الأحد - 08 أيلول 2024
close menu

إعلان

الإرهاب يوجّه رسالة جديدة إلى الجميع: "أنا الرقم الصعب... ولست عابر سبيل"

ابراهيم بيرم
ابراهيم بيرم
A+ A-

صحّت تخوفات وهواجس الكثيرين الذين كانوا يخشون، منذ ان قرر الارهاب الحضور الى الساحة اللبنانية على صهوة العديد من الشعارات والذرائع، تمدد هذا الارهاب مكانياً وزمانياً وصيرورته خطراً داهماً على كل الساحة اللبنانية متخطياً حدوداً جغرافية وديموغرافية بعينها.


فالتفجير الانتحاري الذي وقع عصر اول من امس في الشويفات، اي في نقطة تقاطع لثلاث طوائف اساسية، هو في حد ذاته دلالة ملموسة على أن الارهاب الوافد والمستوطن على حد سواء ليس امامه خطوط حمر ومحرمات، فهدفه الأول المعلن هو الوصول الى مآربه بأي ثمن، والهدف الثاني المضمر هو السعي لأن يصبح الرقم الصعب في المعادلة الأمنية، واستطراداً ان يفرض حالة ترهب الجميع من دون استثناء.
لم يعد خافياً أن المجموعات الارهابية نجحت خلال الاشهر القليلة الماضية في "تطوير" انماط عملياتها وضرباتها، فهي بدأت بمتفجرة في مرأب للسيارات في بئر العبد ثم بسيارة مفخخة في حي الرويس تلتها سيارة مفخخة يقودها انتحاري مزود حزاماً ناسفاً، ثم بسيارتين مفخختين يقودهما انتحاريان كما حصل على مدخل السفارة الايرانية في بئر حسن. واسلوب السيارة المفخخة عينه استخدم مرتين في الهرمل، كما ان عملية الشويفات استهدفت محطة وقود في تخطيط أُريد منه إحداث كارثة، واخيراً وليس آخراً الانتحاري المزود حزاماً ناسفاً يمشي على قدميه ويستقل حافلة للنقل العام. هذا على المستوى "العملاني"، اما التطور على المستوى الزمني فتمثل في تقليل المسافة الزمنية بين العمليتين الاخيرتين الى درجة انه لم يعد يفصل بينهما سوى اقل من 36 ساعة. ولم يعد خافياً ايضاً ان العقل الارهابي المخطِّط والمنفذ على حد سواء اختار بداية لبنانيين اثنين وفلسطيني وُلد في لبنان ليبعث برسالة فحواها انه لم يحلّ في الربوع اللبنانية ليكون عابر سبيل بل هو متجذر يبني ويراكم على تجربة عريقة بدأت في تسعينات القرن الماضي، وانتجت بالتالي جيلاً من الشبان والفتيان اللبنانيين الذين لهم بيئاتهم المتقبّلة او الحاضنة.
وعليه فقد صار جزءاً من تركيبة الساحة ومكوناً من مكوناتها، وانه بات قادراً على التحرك والظهور بدءاً من طرابلس مروراً بصيدا فالضاحية الجنوبية وصولاً الى اقاصي البقاع الشمالي، فضلاً عن البقاعين الأوسط والغربي اللذين لهما عنده حسابات واعتبارات اخرى في اطار استراتيجية هذا الارهاب على الساحة اللبنانية.
وأكثر من ذلك، فالارهاب نفسه بعث برسالة اخرى الى من يعنيه الامر جوهرها أن ثمة من يشكل حاضنة وحصانة دينية علمائية لرموزه الفاعلين وهذا ما تجلى اكثر ما يكون من خلال مسارعة لفيف علمائي الى التحرك المكثف للدفاع عن عمر الاطرش الذي ما ان وقع في قبضة الأجهزة الأمنية حتى أقرّ بسلسلة ارتكابات واعمال وممارسات ارهابية لم يمر عليها الزمن عقوبتها تصل الى حد الاعدام.
وعلى رغم ان قيادة الجيش اضطرت، خلافاً للقوانين، الى ان تصدر بياناً ينطوي على بعض ما ارتكبته يدا الاطرش فإن هذا اللفيف ظل في موقع الدفاع عنه وايجاد الاعذار والمبررات لأفعاله. وعليه فان هذا الارهاب يريد ان يقول بصراحة انه ليس يتيماً أو لقيطاً على الساحة اللبنانية بل له بيئات حاضنة وعاصية على الدولة وأجهزتها وله من يدافع عنه، وانه استطراداً يتحرك على الساحة اللبنانية امتداداً طبيعياً وتلقائياً لحراكه المكثف والناشط على مدى الساحتين السورية والعراقية، وانه قد كسر الحواجز وتجاوز الحدود بين هذه الدول الثلاث. لذا فان حراكه وفعله في الداخل اللبناني ليس لظرف طارئ او حاجة موقتة او رداً فقط على انخراط "حزب الله" في الميدان السوري بل انه وجود متمدد ويخدم وظيفة وهدفاً سياسياً واستراتيجياً.
وأكثر من ذلك دخل هذا الارهاب، بحسب قراءة الكثير من خصومه، في سباق مع الوقت بغية تكريس حضوره على الساحة اللبنانية، لذا كان تكثيفه لعملياته الارهابية غير مبالٍ بعدم نجاح هذه العمليات على النحو الذي يسعى اليه هذا الارهاب أصلاً. وأبعد من ذلك فالواضح ان الارهاب لا يريد أن يترك لاعدائه فرصة التقاط الانفاس أو فرصة الاعداد للرد على هجماته أو الكشف عن بيئاته وحواضنه استعداداً لتوجيه ضربات اليه.
وعليه فإن هذا الارهاب ماضٍ قدماً في خطة غايتها القصوى تكريس حضوره على الساحة عنصراً أساسياً ورقماً صعباً لا يمكن تجاوزه سواء من خصومه أو من غير خصومه، وانه بالتالي في حالة نمو مطرد وحضور عصي على الضبط والمواجهة السهلة، بدليل امتداده الجغرافي وببرهان استخدامه لكل انماط الضرب تقريباً من المتفجرات الى الصواريخ التي تطلق عن بعد الى الانتحاريين الذين يستقلون سيارات مفخخة، والذروة كانت في الانتحاريين السائرين على أقدامهم.
ولقد صار معلوماً ان ثمة هدفاً اساسياً آخر من وراء تكثيف الجماعات الارهابية عملياتها منذ السبت الماضي، وهو الرد السريع على ما اعتبره خصومها انجازاً كبيراً في اطار مواجهتها ولا سيما بعد اعتقال ماجد الماجد وجمال دفتردار مدني وأخيراً عمر الاطرش الصيد الأغلى حتى الآن على الاطلاق، والتأكيد ان حضورها في الساحة اللبنانية أكبر وأعمق من القبض على بعض رموزها.
وعلى رغم بلاغة كل تلك المعطيات والوقائع العملانية والمعنوية، فإن تجربة الارهاب الطويلة أظهرت بشكل جلي ان هذا الارهاب ساهم قبل كل شيء في تهشيم البيئة التي وفرت له الحضن والرفد، وسرعان ما كان يجد أعداء شرسين له حتى في تلك البيئة ويشرع في مواجهتها.
وإذا كان الارهاب الوافد الى لبنان قد وجد استهلالاً بيئات تتعاطف معه أحياناً وتتعامل معه كمطية لمواجهة خصومها، وتطلق الرصاص ابتهاجاً بضرباته والخسائر التي يلحقها بهؤلاء الخصوم، فلن يطول الوقت حتى تجد البيئات الحاضنة نفسها في هذا الارهاب ضيفاً ثقيلاً وعبئاً اضافياً عليها خصوصاً إذا ما تصرف هذا الارهاب، كما يتصرف عادة بصلف وشراسة مستقاة من كونه يقوم بمهمة تكتسب شرعية دينية. وفي كل الاحوال فإن الارهاب يحمل معه أخطاره في كل الاتجاهات، لذا لن يطول الوقت حتى ترتفع الاصوات في الداخل اللبناني مطالبة بخطة وطنية عامة لمواجهته باعتباره خطراً وطنياً داهماً على كل ما عداه.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم