الأحد - 08 أيلول 2024
close menu

إعلان

هل بدأت إسرائيل تقطف ثمار "الثورات" فلا سلام شاملاً وعادلاً بل استسلام؟

اميل خوري
A+ A-

هل يمكن القول إن اسرائيل بدأت تقطف ثمار الثورات العربية بعدما تحوّل الربيع فيها خريفاً بل شتاء قاسياً فضاعت القضية الفلسطينية بانشغال الدول العربية بحروبها الداخلية وبانقسام الفلسطينيين بين حكومتين واحدة في الضفة الغربية وأخرى في قطاع غزة ولم يعد في إمكانهم مقاتلة اسرائيل من أجل استعادة حقوقهم المشروعة ولم يعد أمامهم خيار سوى مفاوضات عبثية تدور منذ سنين طويلة ومنذ مؤتمر مدريد في حلقة مفرغة أو تخرج منها قرارات تبقى حبراً على ورق وقد لا تنتهي إلا بقبول سلام الاستسلام لواقع مرير ترسمه اسرائيل على الأرض بالمستوطنات التي يزداد عددها سنة بعد سنة حتى إن "الجهاديين" الذين كانوا يهزون أمن اسرائيل بأعمال عنفية تحولوا عنها إلى داخل الأراضي العربية...


في الماضي اتُهم زعماء عرب بالخيانة عندما سلّموا بقيام دولة اسرائيل، واليوم يتهمون بالعجز لأنه لم يعد في استطاعتهم استعادة حقوقهم المشروعة لا بالقوة ولا حتى بالتفاوض، والاسباب باتت معروفة، فاسرائيل نجحت بالتعاون والتنسيق مع الولايات المتحدة الاميركية في إضعاف أو ضرب كل دولة في المنطقة تصبح بقوتها العسكرية قادرة على تهديد أمنها. فكانت البداية مع إيران زمن الشاه، التي ما إن أصبحت تملك قوّة عسكرية يحسب لها حساب حتى قامت ثورة أطاحت حكمه ولم تشفع به صداقته لأميركا وهي صداقة تسقط دائماً أمام المصالح... وعندما صار العراق دولة قويّة ماليّاً وعسكرياً زمن صدام حسين ابتدعت له قصة امتلاكه أسلحة دمار شامل تذرعت الولايات المتحدة الاميركية بوجودها لتبرر ضرب العراق وانسحبت منه من دون أن تقيم حكماً قويّاً فيه بل تركته ساحة مفتوحة للفوضى العارمة والاقتتال المذهبي الذي لا نهاية له إلا ربما بتقسيمه. ثم عصفت بعدد من الدول العربية ثورات أطاحت الأنظمة القائمة فيها، وهي ثورات لم تهدأ بعد وها هي تأكل بعضها بعضاً في صراعات سياسية ومذهبية على السلطة، وإذا بمصر الدولة العربية الكبرى التي كان لها دوماً الدور المؤثر في سير المفاوضات العربية والفلسطينية مع اسرائيل أصبحت اليوم مشغولة بنفسها وبمواجهة قاسية مع "الاخوان المسلمين" ولا أحد يعرف متى تنتهي وتعود مصر الدولة العربية القويّة المهتمة بقضايا العرب ولاسيما القضية الفلسطينية. وجاء أخيراً أو ليس آخراً دور سوريا الملقبة "قلب العروبة النابض"، فضربت في قلبها وتحولت ساحة مفتوحة للحروب بين ابنائها ولحروب الآخرين فيها... وسوريا التي كانت تشكل مع مصر قوّة المواجهة والتصدي سياسياً وعسكرياً مع اسرائيل، دخلت كل منهما في مواجهة في الداخل، ولا أحد يعرف متى تخرج منها ولاسيما سوريا وقد دخلت الحرب فيها سنتها الرابعة.
فكيف إذاً مع هذا الوضع العربي المأسوي التفكير في استعادة الحقوق المشروعة من اسرائيل وقد استطاعت جعل كل حدودها هادئة مع دول الجوار وإن لم تكن آمنة تماماً، فالحدود مع مصر يحكمها اتفاق كمب ديفيد، والحدود مع الاردن يحكمها اتفاق "وادي عربة"، والحدود مع سوريا يحكمها اتفاق "فك الاشتباك"، والحدود مع لبنان يحكمها تنفيذ بند وقف العمليات العسكرية في القرار 1701 وانتشار قوّة دولية إلى جانب الجيش اللبناني على طول الحدود مع اسرائيل.
ويتساءل سياسي لبناني مخضرم: ألا يجعل هذا الوضع اسرائيل في موقع قوي في مفاوضات مع الفلسطينيين والعرب، ولم يعد لهم خيار سوى التفاوض إلى ما شاء الله... ولأنه لم يعد لهم أيضاً القدرة على الحرب في المدى المنظور، حتى ان حل الدولتين الذي دعت اليه الولايات المتحدة الأميركية وأيدته الدول الأوروبية مرّ عليه سنوات ولم يرَ النور، وقد لا يراه إلا بعد أن تكون اسرائيل قد رسمت حدود دولتها النهائية بالمستوطنات وفرضت ذلك كأمر واقع فتصبح ما يسمى "دولة فلسطينية" إذا ما قامت غير قابلة للحياة وتتحول الى مجرد حكم ذاتي... حتى ان القدس الشرقية لم تعد كذلك، فيما اسرائيل ماضية في تهويدها وسط الاحتجاجات الكلامية وبيانات الاستنكار والادانة، وهو ما لا تأبه له اسرائيل ولا تبالي به. وإذا كانت الولايات المتحدة الاميركية تبدي اهتماماً بالمفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية على أمل أن تنتهي إلى اتفاق سلام، فانه لن يكون ووضع العرب على ما هو عليه بسوى سلام الاستسلام أو لا سلام. أما إيران التي يعقد عليها البعض الآمال، فقد لا تكون عربية أكثر من العرب ولا فلسطينية أكثر من الفسطينيين عندما تقضي مصالحها بذلك.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم