الأحد - 08 أيلول 2024
close menu

إعلان

تأثيرات هبوط أسعار النفط \r\nآراء الهواة وأصحاب الاختصاص

مروان اسكندر
مروان اسكندر
A+ A-

خلال شهر تشرين الثاني تصدرت اخبار انخفاض أسعار النفط صفحات الجرائد والمجلات المتخصصة وتصدى للموضوع عدد من الكتاب المعروفين ممن يعلقون على القضايا ذات الابعاد العالمية من غير ان يكون لهم اختصاص في شؤون النفط، كما أدلى عدد كبير من الخبراء بآرائهم، وهمنا في هذا التعليق تقويم بعض هذه الآراء وتقدير صحتها، كما اعطاء صورة عن توقعات المستقبل.
من ابرز المعلقين على الشؤون الدولية، دون تعمق في قضايا النفط، توماس فريدمان الذي كتب في جريدة "النيويورك تايمس" مقالاً قبل اسبوعين أكد فيه ان تفاهماً اميركيا – سعودياً وراء ضغط الاسعار وان هدف ذلك الضغط على ايران من جهة وعلى روسيا من جهة أخرى، وقد تسرب هذا التحليل الى صحف عدة، منها صحف عربية.
في المقابل، نشرت تعليقات في تقارير دراسية خاصة مفادها أن السعودية، حفاظاً على حصتها في السوق العالمية، رفضت خفض انتاجها في اجتماعات "أوبيك" في فيينا، من اجل خفض سعر النفط الى 70 دولاراً، الامر الذي يؤدي الى اقفال عدد ملحوظ من ورش انتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة والذي بلغ خمسة ملايين برميل يومياً عند احتساب انتاج كندا أيضا. وحيث ان فائض عرض النفط من دول "اوبيك" قدر بمليوني برميل يومياً، افترض المحللون المهنيون ان السعر سيعود الى الارتفاع قبل انقضاء سنة على انخفاض الاسعار، خصوصا أن أكثر من مشروع لانتاج النفط الصخري أوقف لان الاسعار التي انخفضت لا تسمح بتحقيق ارباح. ومعلوم ان عمليات انتاج النفط الصخري حازت 200 مليار دولار من الاستثمارات.
هنالك مؤشرات تدعو الى التشكيك في منهجي التحليل الواردين اعلاه، وتكتسب هذه المؤشرات قوة حينما نبحث في تأثيرات انخفاض اسعار النفط بالنسب الكبيرة التي شهدناها، والتي وازت بعد تمنع دول "أوبيك" عن اقرار خفوضات في مستويات الانتاج، 35 في المئة وقد بات سعر نفط القياس لصادرات "أوبيك" من الخام الخفيف والمتوسط دون الـ70 دولاراً للبرميل.
بالنسبة الى تصور التوافق الاميركي – السعودي على خفض الاسعار للاضرار بروسيا وايران، ثمة مؤشران واضحان لخطأ هذه النظرية من جهة أولى، سافر وزير خارجية السعودية الى روسيا قبل يومين من اجتماعات "اوبيك"، وتباحث مع زميله الروسي في اتفاق على محاربة ارهاب الاصوليين وتوصلا الى هذا الاتفاق، كما تباحثا في مستقبل بشار الاسد في حال تحقيق هدوء للاقتتال في سوريا خلال سنة أو سنتين من تاريخه، وفي طريق عودة الوزير السعودي الى المملكة ألح عليه وزير الخارجية الاميركي ان يفسح في مجال التشاور بينهما وهذا ما حصل في الطائرة مدة ساعة واكثر.
من جهة اخرى، وهذه الاكثر أهمية، ان انخفاض الاسعار الى المستويات التي شهدناها بعد اجتماعات "أوبيك" يؤدي بالتأكيد الى انخفاض انتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة مليوني برميل يومياً أو أكثر، وهذا مستوى الفائض في العرض حالياً، وايران التي تنتج 2,5 مليوني برميل يومياً وتصدر أقل من مليون برميل لن تتعرض لاضرار توازي الضرر الذي يصيب الولايات المتحدة، وروسيا تستطيع تحمل انخفاض الاسعار سنتين لان لديها احتياطاً مالياً يسمح بذلك. ومن المهم ان ندرك أن انخفاض اسعار النفط يفيد الصين، التي يرى البعض ان انخفاض معدل نموها الى 7,5 في المئة يساهم في خفض الطلب على النفط، اكثر بكثير من الولايات المتحدة، لان مستوردات الصين تشكل نسبة أعلى بكثير من نسبة مستوردات الولايات المتحدة من النفط. فالولايات المتحدة التي تستهلك 18,5 مليون برميل يومياً، تنتج من النفط والمنتجات الرطبة، أي مادة البنزين الخفيف لاستعمال الطائرات والصناعات البتروكيماوية، 11,5 مليون برميل يومياً، فيكون استيرادها على مستوى ستة ملايين برميل، يرجح بعد الانخفاض وخفض انتاج النفط الصخري ان يرتفع مليوني برميل يوميا وتعود الاسعار الى الارتفاع.
ان النظرة الى المستقبل يجب ان تنطلق من الوفر المحقق لجميع الدول المستوردة للنفط، فاذا احتسبنا ان استهلاك النفط حالياً، والمقدر بـ90 مليون برميل يومياً، سيرتفع مليون برميل لان اقتصادات السوق الاوروبية ستنتعش الى حد ما، واقتصادات الصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية وتركيا وجنوب افريقيا ستحظى بمنافع قد تدفعها الى استعادة النمو، وربما كانت تركيا من أكثر الدول انتفاعاً لانها تعتمد كلياً على استيراد النفط، وخصوصا من العراق، والغاز من روسيا، وتجب الاشارة الى ان اسعار الغاز لم تنخفض بالنسبة ذاتها لانخفاض اسعار النفط.
كي لا نطيل البحث في نتائج انخفاض الاسعار على النشاط الاقتصادي العالمي، لا بد من عرض الوقع على الاقتصاد اللبناني.
استورد لبنان من مشتقات النفط عام 2013 ما يساوي 6,7 ملايين طن بلغت كلفتها نحو 6,5 مليارات دولار، فاذا احتسبنا انخفاض الكلفة بنسبة 20 في المئة لان المشتقات تبلغ كلفتها 20 في المئة أكثر من النفط الخام لتغطية تكاليف التكرير والنقل، يكون الوفر المتحقق على حساب ميزان المدفوعات على مستوى 1,3 مليار دولار، منها على الاقل 650 مليون دولار وفراً على حساب مستوردات المشتقات لمصانع توليد الكهرباء، وتالياً وفراً على حساب عجز الكهرباء.
ومن ثم يمكن المستهلكين العاديين، سواء للبنزين للسيارات، أو المازوت للتدفئة، او غاز البوتان للطبخ، أو كاز الطيران للنقل الجوي، ان يحققوا وفراً على حساب الضرائب على البنزين والمازوت وكاز البوتان تساوي 500 مليون دولار، وهذه المبالغ يمكن ان تزيد القدرة الشرائية للمواطنين، علماً بان القسم الاكبر من هذه المنفعة يتمثل في انخفاض مداخيل الدولة، هذا اذا شاءت الدولة تحويل المنفعة الى المستهلكين بخفض اسعار المشتقات المشار اليها بنسبة انخفاض تكاليف استيرادها، وهذا أمر نشك فيه لان حاجة الدولة الى التمويل كبيرة وعجز الموازنة فادح.
في المقابل، سيتاثر اللبنانيون ومن ثم لبنان بانخفاض الانفاق العام في دول النفط وانحسار ارباح الشركات اللبنانية العاملة في هذه البلدان. ومن البلدان المرشحة لاقرار برامج اقتصاد في الانفاق العام، السعودية والكويت والعراق، حيث للبنانيين مصالح كبيرة، كما نيجيريا وانغولا وهذه من أهم البلدان للتحويلات الى لبنان وتالياً قد تنخفض التحويلات الى لبنان بمبالغ تفوق الوفر المحقق على حساب ميزان المدفوعات، وعندئذ ولو بعد انخفاض اسعار البنزين والمازوت، سيكون الوقع المالي والاقتصادي على لبنان سلبياً، وهذا الامر يجب ان يستحث الحكومة على ضبط الانفاق لمنع تزايد العجز عن نسبة 10 – 11 في المئة من الدخل القومي.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم