الأحد - 08 أيلول 2024
close menu

إعلان

عندما يفقد البشر صفاتهم الإنسانية

اوكتافيا نصر
A+ A-

هل قرأتم التقرير عن التعذيب الذي تمارسه وكالة الاستخبارات الأميركية "سي آي إي" في بعض تفاصيله الأكثر فظاعة؟ هل أصابتكم همجية المجموعات الإسلامية بالتقزّز والغثيان؟ هل شعرتم بالاشمئزاز من الصمت أو التبريرات التي تُساق لتغطية الوحشية مرةً تلو الأخرى؟


نعرف كيف صرنا "بشراً" سواءً كنتم من مؤيّدي نظرية النشوء أو روايات الخلق. ولكن في الحالين، من الصعب التوصّل إلى تعريف أو اعتقاد موحّد لمعنى أن نكون "بشراً" اليوم.
ما يميّزنا عن الحيوانات التي كانت في أصل نشوئنا مجموعة من السمات المحدّدة جداً: السير منتصبين، صنع الأدوات والطعام، الإبداع، عملية التفكير، الأدمغة الأكبر حجماً والأكثر تعقيداً، السلوك الاجتماعي، النظم السياسية والاقتصادية، اللغة والرموز. بيد أن بعض الأشخاص يتجاوز الوحوش في نزعاته العنفية، شفهياً وسلوكياً على السواء.
إحدى أبرز الخصائص البشرية تغيير العالم، نحو الأفضل كما يُفترَض، ولكن بما أننا منقسمون أشدّ الانقسام، لا يمكننا أن نتفق على ما هو الأفضل أو الأسوأ.
لقد أحدثت التكنولوجيا ثورة في العالم وحوّلته قرية كونية. احتفينا بهذا الإنجاز الذي شرّع لنا أبواب التواصل، لكن الكارهين والأصوليين كانوا لنا في المرصاد. فهم يسعون إلى إعادة عقربي الساعة إلى الوراء عوض السير الى الأمام. بالفعل، فيما يرغب البعض في استكشاف الفضاء، يستثمر آخرون في أسلحة الدمار الشامل، وثمة من يتطلّعون إلى حكم العالم بسيف الخلافة.
فيما يتطوّر الإنسان، يتملّكه الجشع ويخسر نفسه. لقد تجاوزنا الحدود في كل شيء: السكان، والاستهلاك الغذائي، والاعتداء على البيئة. حفرنا في الأرض بحثاً عن نفط، وشوّهنا الجبال لاقتلاع الصخور، وعبّدنا الطرق بالإسفلت لـ"تحديث" وجودنا، وعدّلنا طعامنا وأجسادنا جينياً، وسمّينا ذلك "حضارة". لم نعد نعرف أنفسنا. من نحن حقاً؟ لا تستطيع كل التطورات العلمية أن تواكب الدمار الذي نتسبّب به، ولا الأوبئة التي ننشرها، ولا التخلّف الذي يلحقه البعض بعالمنا يومياً.
فيما تمارس الولايات المتحدة التعذيب، ينقسم الأميركيون بين فقراء ينشغلون بتأمين معيشتهم وأثرياء لا يكترثون لما يجري. وفيما يمارس مسلمون التعذيب، أبناء قومهم إما سطحيون جداً يسعون وراء الترفيه الذي يُخدّر العقل، وإما منشغلون جداً ببناء أحلامهم البلاستيكية ولا يأبهون.
وهكذا تبقى الساحة خالية للمتطرفين الذين يبتدعون طرقاً أكثر شيطانية لإضعاف بعضهم بعضاً أو القضاء بعضهم على البعض.
نعم، قطعنا شوطاً كبيراً في ثورتنا. نسير الآن منتصبين، لكن بعضنا يدفن رأسه في الرمال ويتظاهر بأنه لا يلاحظ الأعمال الشنيعة التي يقوم بها أبناء جنسنا، فيما يدفعنا آخرون إلى دفن رؤوسنا خجلاً وعاراً بسبب الحضيض الذي بلغوه بسلوكهم البربري البعيد من الصفات الإنسانية.


Twitter: @octavianasr

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم