الأحد - 08 أيلول 2024
close menu

إعلان

الفيحاء خسرت عُمَرَها

الياس الديري
الياس الديري
A+ A-

ليست طرابلس وحدها مَنْ خسر الرئيس عمر كرامي، بل الشمال كله، بل لبنان بأسره خسر الرجل الكبير، رجل المواقف والمبادئ، ودوره القيادي على الصعيدين الوطني والسياسي.


كثيرة هي المحطات والأحداث التي أتاحت لزعيم الاعتدال والانفتاح تقديم النموذج الكرامي المتوارث من البيت الوطني وزعيمه الأبرز عبد الحميد كرامي، ثم المرحلة الوطنية التي طبعها الرئيس الشهيد رشيد كرامي.
لم تتمكن الأحداث والأزمات والحروب والنكسات من جعل الرجل المستقيم يتخلّى ولو بمقدار حبة خردل عن قناعاته، أو مبادئه، أو قيمه، أو الأسس الوطنيّة الثابتة عنده ثبوت الأخلاق والشهامة.
دائماً وأبداً كان صوته يعكس صوت لبنان وإرادته ومصلحته، وما امتشق كلمة أو وقفة إلا من معين لبنان الواحد الموحّد.
كل من أُتيحت له فرصة التعرّف عن قرب وكثب إلى الراحل الكبير اكتشف ما عنده من صفات القيادة والوطنيّة، ما لم يعد متيسّراً في سهولة، مما جعله متميّزاً في كل حالاته وظروفه، سواء داخل الحكم أو خارجه.
واضح في الرأي والرؤية. ثابت عند مبادئه. بعيدٌ عن المساومات والبازارات والتنازلات، إلا في سبيل ما من شأنه خدمة المصلحة اللبنانية، والمحافظة عل منعة التركيبة أو الصيغة اللبنانية الفريدة.
ولطالما ضحّى بالغالي، وبالمناصب، عندما تصطدم قناعاته ومبادئه بمواقف أو مطالب، أو شروط لا تتلاءم وعقيدته، وما نشأ عليه، وما بات جزءاً مهماً من شخصيّته.
أما عُمر الفيحاء، عُمر طرابلس عاصمة الشمال وعاصمة العيش المشترك، فقد آلمه ما لحق بها من ظلم، وقسوة، وتشرذم، وتفكّك أقعدها أعواماً مجرّدة من إرادتها ورسالتها ودورها التاريخي، على الصعيدين اللبناني والعربي... من غير أن يكون في المستطاع انتشالها وإعادتها إلى المنصّة التي تليق بها.
إلى أن فُرجِت عليها، وأتاح لها الغيارى والمحبّون لملمة ذاتها واسترجاع استقرارها وأمنها، تمهيداً لعودة دورها التقليدي والتاريخي.
يقول الوزير بطرس حرب في فقيد العائلة الكراميّة، وفقيد طرابلس والشمال وكل لبنان: "لقد عرفتك سياسيّاً صادقاً حرّ الضمير لا تساوم. تكره المساومين على المبادئ الوطنيّة ومصلحة البلاد، فكنت نموذجاً حيّاً للصادقين مع أنفسهم، مما كان يدفعك للانتفاض في وجه أصحاب المصالح الذين لا يتردّدون، تأميناً لمصالحهم الخاصّة، في التنازل عن كل المقدّسات".
كم سمعتُ من أصدقاء عمر كرامي وعارفيه من مديح لخصاله ومبادئه، وكم سيفتقد لبنان بعد رحيله ذلك الرجل الذي تحلّى بشجاعة الشجعان، عندما يحين اتخاذ القرارات الوطنيّة في اللحظات المصيريّة.
ثمة إجماع على أن لبنان برحيل الرئيس كرامي خسر قامة وطنيّة كبيرة، وخسرت الفيحاء عُمَرَها.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم