الأحد - 08 أيلول 2024
close menu

إعلان

إذا غضبت سَلمى

الياس الديري
الياس الديري
A+ A-

أعجبتني غضْبة سلمى حايك ضد مواكب الأسئلة المعويّة التي انهالت عليها من كل حدْب وصوب، وفي كل مكان زارته أو مرّت به، وجميعها تصبّ في خانة الطعام: هل أعجبك الأكل اللبناني؟ أية أكْلة أحببت أكثر؟ هل تذوّقت التبّولة والكبّة النيّة؟ والسفيحة البعلبكيّة والفراكة؟


نرفزت سلمى حتى كاد صوتها يختنق من حنَقها وخيبتها: ما بهم يحيطونني بهذا السّيْل من أسئلة تدور حول الأكل وحده، وهل جئت إلى لبنان موطني لآكل وأعطي رأيي في الأكل؟
كاد الحنق يقفز من وجهها وعينيها وخدّيها اللذين تورّدا مما تجمّع فيهما من زعل وانزعاج وصدمة: كأن هذا اللبنان الطالع من الأسطورة هو مجرّد مطعم، مجرّد مكان على تقاطع طُرق يقدّم وجبات سريعة...
أنا لبنانيّة، صرخت سلمى بكل أصوات تمكّنت من قطافها وصهرها في صوت واحد ضجّ هديره في الساحة، وفي مكبّرات الصوت، وفي آذان مَنْ جاؤوا يتفرّجون على جسد امرأة نهَلت منه الكاميرات حتى أُتخمت وبقي محافظاً على نضارة ثماره كأنها بلغت موسم القطاف...
أنا لبنانيّة، ولبنان وطني. ووالدي معي، ويحدّثني عن هذه "الخَصْلَة" البشعة لدى اللبنانيّين. أعرف المطبخ اللبناني، وكل أنواع وأسماء الأكلات والطبخات. لكن هذا ليس كل شيء. ولا كل ما يربطني بلبنان. ولا كل ما جئت إلى لبنان من أجله.
تأثّرت كثيراً. كادت تقول كلاماً يستحقّه حاملو أسئلة الأكل. لكنّها بلعَت الكثير من غيظها وزعلها وخيبتها، واكتفت بتأنيب الذين اختصروا حجم لبنان وتاريخه ودوره بتحويله مطبخاً لأكلات أكل الدهر عليها وشرب.
انصدمت. هؤلاء هم اللبنانيّون الذين رواهم للعالم بصفة كونهم من مراتب وبصفات غير متوافرة في سواهم؟ لقد بالغ جبران خليل جبران، مثلما بالغ مستقبلو سلمى بأسئلة الأكل.
سامحيهم، مدام حايك، أيتها النجمة المتألّقة في فضاءات الشهرة والشهوة، والتي يؤدّي جسدها حركة خاطفة وراعدة كحركة دوران الأرض حول محور وهمي.
شعرت من خلال عبوسها واحتقان وجهها أنها كانت تتصوّر، أو تتوقّع مصادفة الألوف المؤلّفة من الجبرانات القريبين من جبرانها ونبيّه وأجنحته المتكسّرة، وترتبك في الأحاديث معهم عن الإبداع والفنون والسينما والرسم والنحت والحب والجسد...
فإذا بها تصطدم بسلال الأسئلة عن المأكولات التي هيهات يأتي ذكرها إلا في مناسبات الترحّم على ذلك اللبنان الذي هاجر إبان الحروب وطالت غيبته.
للمرة الأولى أشاهدك كلّك، أيتها النجمة المحلّقة في سماء وطن النجوم والمأكولات، وأجدني فرحاً مبتهجاً بوقفة عزّ تسجّلها نجمة سينمائيّة من طينة سلمى حايك، وتفقع هؤلاء الأغرار صفعة لبنانيّة حقّة، يستحقّونها حقاً. عوفيتِ.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم