الأحد - 08 أيلول 2024
close menu

إعلان

التطوّرات الدراماتيكيّة في سوريا: أسئلة ومخاوف هل ما زال في الإمكان ضبط الداخل اللبناني؟

ابراهيم بيرم
ابراهيم بيرم
A+ A-

أنباء المجزرة التي ارتكبت بحق ابناء بلدة قلب لوزة في العمق السوري وذهب ضحيتها عدد من أبناء مذهب الموحدين الدروز، سيطرت مدى أكثر من يومين على المشهد الاعلامي – السياسي الداخلي الى درجة أن اللبنانيين استشعروا أن هذه البلدة الأقرب الى الحدود التركية انضمت الى قائمة ملفات السجال والكباش الداخلي وصارت إحدى مفردات اللعبة السياسية اليومية، لا سيما بعدما قسمت الرأي العام الدرزي، السياسي والوطني حيال الإرهاب بين إمكان مهادنته والتعايش معه وبين من يرفع لواء الدعوة جهاراً الى مواجهته بسلاحه.


واذا كان ثمة من يرى أن طغيان هذا الحدث على ما عداه أمر طبيعي كونه متصلاً بمكوّن لبناني له امتداد في الداخل السوري وكون هذا الامتداد صار في عين العاصفة وتحت مجهر الاعلام، خصوصاً بعدما باتت السويداء، المدينة والمحافظة، وجهاً لوجه مع الارهاب المتقدم، إلا أن الثابت أن الحدث في ذاته وما أثاره من ضجيج وضوضاء أعاد بعث الروح في سجال مزمن في الداخل اللبناني عمره من عمر اشتعال فتيل الاحداث في الساحة السورية، وهو الذي يعرف اختصاراً بموضوع النأي بالنفس عن هذه الاحداث وتلافي الغرق في مستنقعها والبعد عن لهيب تداعياتها الحارقة والحرص على عدم جر قرص نارها الى العمق اللبناني الهش.
لا ريب في أن انصار محور الممانعة في الداخل وجدوا في طيات هذا الحدث المدوي (مجزرة قلب لوزة) سنداً لإثبات صحة منظومة الاعتبارات والتحليلات التي قدموها سابقاً وبنوا عليها سلوكاً سياسياً ولاحقاً فعلاً عسكرياً، جوهره أن هاجرة النار السورية ستلفح لبنان حتماً وان ثمة صعوبة تداني الاستحالة في اتباع نهج الحياد حيال هذه التطورات المتسارعة والمتسعة والمفتوحة على كل الاحتمالات السوداء.
هذه الرؤية تعزّزت لاحقاً بعدما دخل "حزب الله" بنخبه المحترفة عتبة الميدان السوري المشتعل في منطقة محدودة أولاً ثم في عمق العمق السوري، وتكرّست أكثر بعدما تقاطر الى الداخل السوري آلاف المقاتلين من أربع رياح الأرض مقيمين "أممية" متطرفة تتأبط مشروعاً لا يعترف بحدود ولا يقيم أعتباراً لأي خطوط حمر. ولاحقاً طرأت، كما هو معلوم، مستجدات ميدانية وضعت المكوّن المسيحي في عين الحدث بعد أحداث معلولا وصيدنايا ويبرود وربلة ومحردة وقرى وادي النصارى في ريفي حماه وحمص، انعكست حراكاً في الداخل اللبناني بفعل تعاطف المسيحيين مع أبناء دينهم المظلومين في الساحة السورية.
وثمة استنتاج آخر يطيب لأنصار المحور إياه ولدعاة الحرب الاستباقية مع الارهاب قبل أن يطرق أبوابنا التحدث فيه بصوت عال الآن بعد مجزرة قلب لوزة، وهو أن من صفات الارهاب، مهما كانت مسمياته، التحلل من أي عهد قد يعطيه لأي جهة، إذ أن مديته حزّت رقاب كل ألوان الطيف المذهبي والديني والعرقي في سوريا والعراق على السواء، فهو لا يقبل من أحد أن يكتفي برفع راية الاستسلام له ويتمتع بأمان، بل المطلوب منهم أن ينفذوا أجندته السياسية والعسكرية والدينية. فضلاً عن ذلك فإن هذا الارهاب الموغل في الوحشية لا يرتضي شفاعة ولا يأتمر بأمر مرجعية ما قد يقيم البعض على اعتقاد انها قادرة على كبح جماحه ولجم اندفاعته.
وهكذا فان أنصار المحور عينه يرون أن لا عاصم اليوم من ممارسات "داعش" وأخواتها بدليل ان الشيعة في العراق لم يجدوا حماية من واشنطن لحظة اندفعت "داعش" لتحتل الموصل قبل أن تبسط سيطرتها على مدن ومناطق أخرى، رغم وجود اتفاق تعاون أمني بين بغداد والعاصمة الاميركية وقّع لحظة جلت أميركا عسكرياً عن بلاد الرافدين قبل نحو 3 أعوام، وهو اتفاق كان أبناء العراق مطمئنين اليه تماماً.
ولا ريب أيضاً في أن "حزب الله" وجد في أحداث هذه القرية الأدلبية القصية مصداقاً عملياً على كل عمارة التنظير التي قدمها واستند اليها لحظة بدأ ما سماه لاحقاً حربه الاستباقية ضد الارهاب في كل الساحة السورية، ومنها اعتراضه على التمييز بين مجموعات مثل "النصرة" يمكن اعتبارها جزءاً من "الثورة السورية" ونسج خيوط علاقة معها، وبين آخرين يدرجونها في خانة التطرف والارهاب، فضلاً عن أن هذا الارهاب لا ينتظر مبرراً أو سبباً ليجذبه نحو منازلة الآخرين أو الاحتكاك بهم وايجاد خطوط تماس معهم.
ومع كل تطور دراماتيكي في المحيط ومع انقسام حياله، فإنّ السؤال الذي يطرح بإلحاح هو: ما مدى انعكاس ذلك على مستقبل العلاقة بين مختلف القوى اللبنانية وعلى مشهد الساحة الداخلية، استقراراً أو تأجيجاً للصراع؟ لذا ثمة من طرح السؤال أخيراً عن مستقبل العلاقة بين النائب وليد جنبلاط الذي يصر على اعتبار "النصرة" طرفاً يمكن الحديث معه حول ملفات معينة، وبين "حزب الله" الذي بدا اعلامه في الساعات الماضية أكثر جرأة في توجيه الانتقاد الحاد الى هذا الموقف، مما أوحى بإمكان فتح باب السجال على مصراعيه.
ثمة من يذهب الى القول إن كلا الطرفين يبدي حرصاً كبيراً على عدم ايصال التباينات الى حدود المعارك المفتوحة مما من شأنه شحن الأجواء، وبالتالي يبذل كل منهما جهوداً للحفاظ على المعادلة المألوفة للحؤول دون بلوغ مرحلة التصادم.
وفي المقابل ثمة من بدأ الخوف يتسلل الى نفسه من جراء ارتفاع منسوب آمال الراغبين في رؤية النظام السوري يتداعى بعد الانتكاسات التي مني بها في الميدان أخيراً، معتبرين ذلك بداية النهاية، وان هذا النظام الذي حافظ على حد من التماسك خلال الأعوام الخمسة الماضية قد نال منه التعب والانهاك ومن جراء شعور الفريق الآخر بالحاجة الى التصلب والتشدد.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم