الأحد - 08 أيلول 2024
close menu

إعلان

خالد العزي

المصدر: "النهار"
لماذا الانقلاب في الموقف الروسي؟
خالد العزي
خالد العزي
A+ A-

تميّزت الدبلوماسية الروسية بالأشهر الماضية بعقلانية وجدّية في التعامل مع الأزمات والملفات التي ارتبطت بها طول المدة السابقة، كالملف اليمني، والإيراني، والسوري والأوكراني، وباتت روسيا تحاول التفكير أكثر في مصالحها الاقتصادية التي تؤمن نفوذًا وانفتاحًا لها على الإطراف الأخرى، بدلاً من التمسك والصراع بأوراق تتعرض للانهيار والسقوط التدريجي.
ربما ابتدأ هذا التفكير الجديد مع بداية عاصفة الحزم العربية، والخسارات المتتالبة للنظام السوري، والإصرار الإيراني على التفاوض مع أميركا متسلحًا بالحماية الروسية عندها بدأت الخطوات الروسية تحسب لها الحسابات الدولية.
وترجم الرئيس فلاديمير بوتين الأمر في خطابه المميّز في التاسع من أيار الماضي في الذكرى السبعين للانتصار على الفاشية، حيث استطاع ان يفصل بين الخلافات الأوروبية والأميركية على مستوى الملف الأوكراني الذي تلقفته سريعاً الإدارة الأميركية بإرسالها الوزير "جون كيري" إلى مدينة "سوتشي" الروسية والاجتماع بالرئيس بوتين لمدة أربع ساعات بعد انقطاع دام سنتين، وقد يكون هذا الاجتماع إعلاناً عن بدء انطلاق التسوية للملفات العالقة بالرغم من بطئها، لكنها وضعت على الطريق الصحيحة لتكون خارطة طريق قادمة لحل الأزمات المتشعبة.


ابتدأت التسوية من كييف حيث أعلنت مساعدة وزير الخارجية "فيكتوريا نولاند" عن استسلام الرئيس الأوكراني "فيكتور بورشنكو" للشروط الروسية، التي تهدف إلى تطبيق اتفاقات مينسك لحل المشكلة الأوكرانية بعد زيارتها لكييف.
لكن المشكلة تكمن في صدق الأميركي في التعامل مع هذا الاتفاق لكي يرتاح الروسي من أزمته المالية وصراعه لأجل أوكرانيا للبدء في تسهيل الملفات الأخرى.
1- استطاع الروسي أن يصمد في أوكرانيا بالرغم من كل العقوبات التي فرضت عليه طوال العام الماضي، ومما ساعدَه في استخدام خطاب جديد للتعامل مع الدول الاوروبية، هو تكوين فريق أوروبي خاضع لروسيا مكون من دول كاليونان وقبرص والتشيك والمجر، وبها استطاع إفشال عقوبات شهر حزيران  القادم على روسيا.
2- استطاع الروس إبرام اتفاقات تجارية واقتصادية مع تركيا وإبعادها  عن المشاكسة داخل الدول الإسلامية الخاضعة للنفوذ الروسي، مما رتّب على الروسي علاقات جيدة تجلّت في مد أنبوب خط الغاز الجنوبي عبر تركيا.
توقفت روسيا أمام اللهفة الإيرانية لإنجاز الصفقة مع أميركا، وأخذت موسكو قرارا بعدم التصادم مع الدول الخليجية بعد "عاصفة الحزم" وإصرار دول الخليج على عدم السماح لإيران بالتلاعب والعبث بملفات المنطقة.
لكن التطورات الدرامية في كل من سوريا والعراق، وتمدّد الحركة "الداعشية" من جراء الانهيارات السريعة للنظامين السوري والعراقي، والخلافات الداخلية في كلا النظامين والتدخل التركي والعربي المباشر، ودفعت روسيا الى مراجعة دورها الجيو- سياسي للحفاظ على مصالحها الاقتصادية والمالية الخاصة، وعلاقاتها مع الدول العربية والخليجية، إن كان لعدم المواجهة الخاسرة أو للمحافظة على ما تبقى من الأنظمة خوفا من انهيارها أمام التطرف الإسلامي، والحفاظ على بقايا الدولة والأقليات وعدم السماح لسيطرة الإرهاب.
لهذه الأسباب جميعها ساعدت روسيا على النظر بجدية للأحداث المرهونة بالموقف الأميركي وتعاطيه معها بصديقة وجدية، لكي تتمكن روسيا من تنفيذ ما تستدعيه الظروف المستجدة.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم