الأحد - 08 أيلول 2024
close menu

إعلان

"قاذف اللهب" الإيراني

امين قمورية
A+ A-

عملياً، الاتفاق النووي بين ايران والغرب دخل حيز التنفيذ قبل ان يوقع رسمياً. طهران كسرت العقوبات باستردادها أموالا وذهباً مجمداً من زمان في المصارف الأجنبية ونالت شهادة حسن سلوك من الوكالة الدولية للطاقة الذرية على حسن التزامها اعلان المبادئ. لم يبق من بازار المفاوضات إلا اللحظات الاخيرة للبيع والشراء. الايراني تاجر شاطر والدول الخمس الكبرى زائدة المانيا لا تحتاج الى شهادة من احد في المقايضة وفن الكسب.


الجميع سيخرجون راضين بعد اعلان النتيجة النهائية وتذييل المحضر. الغرب سينال ما يريده بتجريد ايران من مخالبها النووية من الآن وحتى إشعار آخر بإلزامها الشفافية في برنامجها النووي. وطهران ستعوض النووي باستراجع اموالها المجمدة واحياء اقتصادها المريض وتوفير المال القادر على شراء ليس فقط النفوذ بل الاطنان من القنابل والقدرات العسكرية القابلة للاستعمال على عكس السلاح النووي الذي يأكله الصدأ في المخازن.
الغرب في اللحظات الاخيرة من المفاوضات "يتشاطر" بإبقاء القيود على تسلح إيران، وكأنه من وراء ذلك يريد طمأنة الخائفين من الاتفاق ولاسيما منهم الخليجيين إلى أنه لن يسمح لجارتهم الطموحة باستبدال مشروعها النووي (الذي كان على الشجرة) بقوة صاروخية هائلة (في اليد). ولعل من حظ طهران ان تظل بعيدة من سوق السلاح رأفة باقتصادها، فالدول التي نمت وازدهرت هي التي صرفت اموالها على البنى التحية والمصانع والجامعات لا على الدبابات والجنود.
المفاوضات الماراتونية وضعت البرامج النووية والعسكرية الايرانية على المشرحة ولم تفوت تفصيلاً إلا وضعته تحت المجهر. لكنها اهملت المحرك الاساس لنفوذها والذي يخيف جيرانها أكثر مما يخيفهم النووي.
"قاذف اللهب" الرهيب في ايران ليس برنامجها النووي او صواريخها البالستية بل دستورها الذي لم يتذكره احد لا في جنيف ولا في فيينا ولا في المفاوضات السرية او العلنية.
المادة الثالثة من هذا الدستور تنص على "الدعم المطلق لمستضعفي الارض". هذا ليس نصاً نظرياً بل هو عملي بامتياز وأحسنت طهران تطبيقه على امتداد الخريطة المشرقية. وهذا الدعم لا يذهب الى أي "مستضعف" بل الى من يصنفهم حكامها الملالي "مستضعفين"، وهكذا فان "المستضعف" في نظرهم يمكن ان يكون فئة مظلومة كما يمكن ان يكون نظاماً ظالماً عندما تدعو الحاجة. والاتفاق النووي لا يلغي نصاً دستورياً لا بل فان البحبوحة التي ستنجم عنه ستعزز هذا الدعم وتوسع مداه ليصل الى حيث تعجز الصواريخ البالستية عن الوصول.
واذا كان وقف البرنامج النووي الايراني كلف سنوات طويلة من الجهد التفاوضي والضغوط والتوترات والانقلابات في المنطقة، ففي انتظار النظر في تعديل الدستور يكون "قاذف اللهب" الايراني قد أكل أُكُلَه.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم