الإثنين - 09 أيلول 2024
close menu

إعلان

ناموا وبوابكن مفتوحة

جمانة سلّوم حداد
A+ A-

كلما زرتُ أسوج أو أحد البلدان الإسكندينافية تذكرت أوتوماتيكياً جملة الرئيس الراحل سليمان فرنجية الشهيرة: "ناموا وبوابكن مفتوحة".
هذه العبارة – إذا استخدمناها الآن - هي طبعاً دعوة مباشرة إلى السرقة أو الإغتصاب أو حتى القتل في لبناننا الراهن. لكنها هنا، أي في مالمو حيث كنتُ أخيراً، أو في ستوكهولم أو كوبنهاغن أو أي مدينة أخرى من مدن هذا الشمال الأوروبي، واقع وحقيقة.
أعرف بماذا تفكّرون. ستظنون أني أبالغ. ستبتسمون بتهكّم وتُرجعون كلامي هذا إلى افتتاني الطوباوي باسكندينافيا وأنظمتها وما وصلت إليه من رقيّ واحترام لحقوق الإنسان وكرامته. لكني لا أبالغ. صدّقتم أم لم تصدّقوا. طبعاً، ثمة مجرمون في أسوج كما في كل مكان من هذا العالم التعيس. وثمة طبعاً سارقون ومغتصبون وقتلة. لكن هؤلاء هنا هم الاستثناء، لا القاعدة. أي أنهم لم ينجحوا في دفع الناس إلى الخوف والشكّ والقلق والبارانويا والتلفت الدائم وراء ظهورهم. هنا بشرٌ يثقون الواحد منهم بالآخر. هنا بشرٌ مطمئنون: مطمئنون الى الأمن في بلادهم، إلى العدالة، الى "طيبة" الكائن البشري الطبيعية، بحسب نظرية جان جاك روسو.
يكفيني لأصدّق، هذه الأمثلة الحية: نسيت مبلغاً من المال في أحد المحال، وعدتُ بعد يومين لأجده مكانه تماماً (لو حصل ذلك في لبنان لكان تبخّر بعد لحظات). يكفيني أني كنت أعبر الطريق في الوقت غير المناسب وتوقفت سيارة مسرعة لتسمح لي بالعبور، لا بل اعتذر سائقها مني لأنه أجفلني عندما داس على المكابح (لو حصل ذلك في لبنان لكنتُ الآن إما مغسولة بالشتائم وإما... "العوض بسلامتكم"). يكفيني لطفُ من التقيتهم واستعداد الغرباء الدائم للمساعدة (يُظلَم الاسكندينافيون بوصفهم شعوباً باردة). يكفيني أنهم اخترعوا هنا كلمة جديدة، هي ضمير مخاطَب، للتوجه الى الشخص من دون الدلالة إلى جنسه (بدلاً من أنتَ وأنتِ)، بغية الإمعان في مكافحة التمييز. يكفيني، خصوصاً، أن أسمع قصة مجموعة من النساء الأسوجيات اللواتي ارتدين أخيراً الحجاب تضامناً مع امرأة محجبة من أصول عربية تعرضت للاعتداء على يد أحد العنصريين.
لا شك في أن اليمين الفاشي يشهد هنا صعوداً خطيراً وتزايداً في شعبيته، يغذّيه ويدعمه تصاعد الاسلام المتطرف والانعزالي. لكن ما زالت "الدني بألف خير" على قولة اللبنانيين، وهذا التطرف لا يمثل سوى أقلية محدودة منبوذة ومحتقَرة من الأكثرية. نعم. للأسوجيين أن يناموا وأبواب بيوتهم مفتوحة. صدِّقوا أو لا تصدّقوا. الأفضل طبعاً أن تصدّقوا. أن نصدّق. لعلنا نستيقظ من هذه الكوما... ونتعظ.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم