الإثنين - 09 أيلول 2024
close menu

إعلان

"أوعا نوعا"

جمانة سلّوم حداد
A+ A-

لقد بتُّ مقتنعة بأننا نحن اللبنانيين نائمون، لا بل غاطسون في نومٍ عميق.


نحن نائمون نعم. وإلا كيف نتحمّل الإهانات المتتالية التي نتعرض إليها كشعب، من حرماننا حقنا في الأمن والاستقرار، وصولاً الى شرشحتنا المستمرة في مؤسسات الدولة العاطلة في معظمها عن الفعل والخدمة، مروراً بالطريقة المتعالية، كي لا أقول التحقيرية، التي تعاملنا بها أجهزة الرقابة المتخلفة في هذا البلد، كقاصرين، فتسمح لنفسها بأن تقرّر عنّا ماذا يجب أن نقول ونفكّر ونعمل؟!
نحن نائمون بالتأكيد. وإلا كيف نقبل العيش تحت الخوف والتهديد، ونمنح تبعيتنا لزعماء لا يحترمون فرديتنا ولا ذكاءنا ولا حاجاتنا الأساسية، بل يتكلون على غرائزنا الدينية والقبلية لكي نلحق بهم كالأذيال؟
نائمون، أقول. وإلا كيف نوافق على العنف المحيط بنا من كل حدب وصوب، وعلى الاعتداءات التي تتعرض لها إنسانيتنا من هنا وهناك، من داخل ومن خارج؟
نائمون حتماً. وإلا كيف نسكت عن البؤس والجهل والنهب، ومعاناة المساكين النفسية والاقتصادية والجسدية، وجوع الأطفال في الشوارع، وعدم قدرة الفقراء على الحلم بتحصيل العلم، وهجرة الشباب، أوعلى الأصح "تطفيشهم" واحداً تلو الآخر؟
نائمون من دون شك. وإلا كيف لا ننسف المستوى البذيء والتحريضي الذي أدركته لغة البرامج على محطات التلفزيون، والانحطاط الكامل الذي يشهده مجتمعنا، والفراغ المقيت الذي تعكسه خطب سياسيينا، حين يتبادلون الاتهامات، ولا همّ لهم سوى رفع المسؤولية عما تفعله أيديهم، متناسين أن انتخابهم كان أصلاً لكي يتولوا هذه المسؤوليات، لا لكي يبنوا تلك القصور التي لطالما حلموا بامتلاكها في مساقط رؤوسهم؟
نائمون نائمون، وإلا كيف نتجاهل فرزنا كنعاج وديعة تُدمَغ بأسماء ملاّكها، واغتيال طموحاتنا وآمالنا في طريقة ممنهجة، وخنق حرياتنا الفردية والمدنية؟
... "إذا ما كِبرِتْ ما بتصغر"، يقول بعض اللبنانيين في غفوتهم اللذيذة. "ما بيصحّ إلا الصحيح"، يقول بعض آخر. الجميع يغنّي على نوتة واحدة: "الصبر مفتاح الفرج". حسناً. لكن المشكلة هي أنّ الصبر بات مرادفاً في مفهومنا لنوع من الكوما الطوعية: هكذا أرانا ممددين هانئين على أسرّة أوهامنا، لا نرى - أي لا نريد أن نرى - الطيور الكاسرة التي تحوم فوقنا وتتناتش أصواتنا وولاءاتنا وإراداتنا وحقوقنا وكراماتنا، كي لا أقول لحومنا ودماءنا، بينما نحن في غيبوبة إرادية نظنّها تحمينا من الحاضر السيئ، في حين أن جلّ ما تفعله هو أنها ترمينا في الغد الأسوأ.
نائمون، فمتى نستيقظ؟ الخوف كل الخوف أن أسأل يوماً: هل نستيقظ؟


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم