الإثنين - 09 أيلول 2024
close menu

إعلان

40 عاماً على حرب تشرين: جيشا مصر وسوريا من الجبهة الى الداخل \r\n

هشام ملحم
هشام ملحم
A+ A-

قبل 40 سنة في السادس من تشرين الاول، في الساعة الثانية بعد الظهر بتوقيت القاهرة عبر الجيش المصري قناة السويس واخترق خط بارليف الاسرائيلي في الضفة الشرقية للقناة وسيطر عليها. في الوقت عينه اقتحم الجيش السوري الدفاعات الاسرائيلية في هضبة الجولان المحتلة وحقق تقدما سريعا. الانجازات المصرية والسورية في الايام الاولى للقتال لها اكثر من سبب، ابرزها عنصر المفاجأة، ولكن ايضا التحسن النوعي الذي طرأ على تدريب الجيشين المصري والسوري، ومعنوياتهما العالية وادائهما الجيد الذي اتسم بالشجاعة والتنسيق، وهو أمر اعترف به الضباط الاسرائيليون .
الاسبوع الاول من الحرب كان افضل وانصع سجل للجيشين. في الايام الاولى للحرب وصل التضامن العربي بمختلف صوره الى اعلى مستوياته مع مصر وسوريا. وارسل العراق والمغرب والسعودية والاردن وليبيا الجنود والاسلحة الى الجبهتين، وعندما بدأت الولايات المتحدة باقامة جسر جوي مع اسرائيل لتزويدها بالاسلحة، بعد خساراتها الفادحة لعشرات الطائرات ومئات الدبابات،اتخذ العاهل السعودي انذاك الملك فيصل بن عبد العزيز قرارا تاريخيا حين فرض مع دول عربية اخرى حظرا على تصدير النفط الى الولايات المتحدة.
كم يبدو اليوم المشهد العربي مختلفا ونقيضا بالمطلق، لما كان عليه الوضع في تشرين 1973 على مستوى الدول، وعلى مستوى المنطقة ككل. الجيش المصري اليوم يقوم بعمليات عسكرية في سيناء، ولكن ليس ضد اسرائيل بل ضد تمرد محلي لقوى جهادية مصرية تدعمها عناصر اسلامية متطرفة من الخارج. وفي الوقت عينه يقوم الجيش المصري بعمليات "عقابية" ضد الفلسطينيين في غزة من خلال اغلاق وتدمير الانفاق بين سيناء وقطاع غزة. وفي الداخل، لا يزال الجيش المصري بعد ثلاثة اشهر من اطاحة الرئيس الاخواني محمد مرسي يواجه المتظاهرين الاسلاميين في شوارع القاهرة والاسكندرية وغيرها من المدن، حيث يستخدم احيانا الذخيرة الحية ضدهم.
المشهد السوري أكثر مأسوية وفظاعة. الجيش السوري يواصل أطول وأشرس حرب في تاريخه بدأت قبل اكثر من سنتين وليس من المرجح ان تنتهي في أي وقت قريب. ولكن العدو الان ليس مرابطا في الجولان، بل في المدن السورية واريافها. هذه الحرب استخدم فيه الجيش جميع انواع الاسلحة المتوافرة لديه لقمع انتفاضة شعبية كانت في اشهرها الاولية سلمية، وسرعان ماساهم النظام في عسكرتها، وبعدها تطورت بشكل مقلق للغاية مع بروز عناصر جهادية متطرفة الكثير منها جاء من الخارج. الدمار المادي الهائل الذي لحق بمدن سوريا التاريخية مثل حلب وحمص وحماه ، هو ذلك الدمار الذي ينجم عن استخدام الطائرات والصواريخ والمدفعية الثقيلة. حتى السلاح الكيميائي، الذي كان يفترض ان يردع اسرائيل، استخدمه النظام ضد السوريين. نزوح مليون لاجيء سوري الى لبنان، وعدد مماثل تقريبا الى الاردن، وعبور الحرب السورية بمستويات مختلفة الى لبنان والعراق وتركيا يمكن ان يفجر المنطقة بكاملها. معظم الدول العربية في المشرق تعيش في ظل جيرانها غير العرب : اسرائيل، ايران وتركيا.
بعد 40 سنة من حرب تشرين الثاني، تغير الكثير، وبقي الكثير. اللاعبون الرئيسيون رحلوا جميعهم، باستثناء هنري كيسنجر. انهار الاتحاد السوفياتي وخلفته روسيا الاتحادية. توفي حافظ الاسد وخلفه بشار الاسد. اقتراب واشنطن وموسكو خلال الحرب من المواجهة العسكرية، وأزمة النفط، ودور كيسنجر في اقناع اسرائيل بالسماح بالمؤن بالوصول الى الجيش المصري الثالث المحاصر وبعدها بالتوصل الى اتفاق لوقف النار واتفاقات فك الارتباط، اقنعت واشنطن بضرورة لعب دور أكبر واهم في "عملية السلام"، خصوصاً وان الرئيس السادات كان يهدف من الحرب الى ارغام واشنطن على لعب مثل هذا الدور، خصوصاً بعدما اخفق قراره بطرد الخبراء السوفيات في 1972 باقناع واشنطن بالضغط على اسرائيل للدخول في مفاوضات سرية. الوثائق التي كشفتها وزارة الخارجية الاميركية تشير الى ان كيسنجر رأى ان الحرب وضعت اميركا "في موقع مركزي" والحقت "هزيمة" بموسكو. الوثائق تبين ايضا انه قبل الحرب كان كيسنجر يقول للمصريين " لا تتوقعوا ان تربحوا وانتم امام طاولة المفاوضات ما خسرتموه فوق ارض المعركة" وفقا للديبلوماسي المصري احمد ماهر السيد. وابرزت حرب تشرين خطورة التنافس الاميركي-السوفياتي ورغبة كل طرف بالحفاظ على نفوذه ومصالحه، الامر الذي دفع بالرئيس نيكسون للقول قبل توقف القتال " لا احد يدرك أكثر مني ما هي المصالح الموجودة على المحك: النفط وموقعنا الاستراتيجي".
حرب تشرين، كانت بمثابة تذكرة سفر للرئيس السادات للهروب من الصراع العربي-الاسرائيلي والتوصل الى سلام منفرد مع اسرائيل. الحرب كانت البداية الحقيقية لتطبيع العلاقات المصرية-الاميركية، والى تحول مصر الى احدى دعائم الاستراتيجية الاميركية في المنطقة، اضافة الى اسرائيل والسعودية وتركيا. تعثرت الحرب في بدايتها لاكثر من سبب عسكري ولوجستي، ولكن كانت لذلك اسباب اخرى منها ان انور السادات وحافظ الاسد دخلا الحرب بمنظورين مختلفين: السادات خطط لحرب قصيرة الاجل ضد اسرائيل لارغام واشنطن على التوسط وبدء المفاوضات مع اسرائيل لاستعادة سيناء المحتلة بعد اعادة الاعتبار الى الجيش المصري. من جهته كان الاسد يأمل بحرب أطول ( تتحمل فيها مصر العبء الاكبر) لارغام اسرائيل على الانسحاب من جميع الاراضي العربية المحتلة. الديبلوماسية الاميركية التي بدأها كيسنجر باتفاقات فك الارتباط على الجبهتين، ادت لاحقاً الى اتفاقات كمب دافيد و معاهدة السلام المصرية-الاسرائيلية التي اعادت بقية سيناء الى مصر. في تسعينات القرن الماضي وقعت اسرائيل معاهدة سلام مع الاردن، واتفاقات اوسلو مع منظمة التحرير، لكن الضفة الغربية لم تحرر حتى الان، ولا يزال الجولان تحت الاحتلال الاسرائيلي.
حرب تشرين، احدثت شروخا عميقة وتحولات في العلاقات العربية-العربية، وادت الى ازمة وقطيعة طويلة بين دمشق والقاهرة، ولكن ابرز هذه التحولات، كان انتقال مركز الثقل والنفوذ من شرق المتوسط الى منطقة الخليج. أميركيا، تقاطعت حرب تشرين مع فضيحة ووترغيت، التي اضعفت مركز ومكانة ودور الرئيس نيكسون، ورفعت من اهمية ونفوذ ودور هنري كيسنجر، قبل تحول نيكوسن الى أول رئيس في تاريخ اميركا يستقيل من منصبه. المشهد النفطي تغيّر جذريا بين 1973 واليوم. في السنوات الاخيرة بدأت الولايات المتحدة بتقليص حجم مستورداتها من النفط العربي، والاعتماد على مصادر اخرى، والاهم من ذلك زيادة انتاجها المحلي من خلال تطوير وسائل تقنية جديدة لاستخراج النفط والغاز. يوم الاربعاء الماضي لخص العنوان الرئيسي لصحيفة وال ستريت جورنال هذه الحقيقة :" الولايات المتحدة تستبدل روسيا كأكبر منتج للنفط والغاز".
مرت الذكرى الـ40 لحرب تشرين، دون أي اهتمام تقريبا في الاوساط السياسية والاكاديمية والاعلامية الاميركية. الزميل ديفيد اغناتيوس نشر مقالا في صحيفة "الواشنطن بوست" حول كتاب اسرائيلي بعنوان "1973: الطريق الى الحرب" لمؤلفه ييغال كيبنيس يقول ان حرب تشرين كان يمكن تفاديها لو لم تتسم القيادة الاسرائيلية آنذاك "بالغطرسة، والثقة المفرطة والعمى السياسي" لأنها لم تتجاوب مع الاتصالات السرية التي بدأها كيسنجر مع المصريين في 1972 الذين ابلغوه برغبتهم في التوصل الى اتفاق سياسي لاستعادة سيناء. ونشرت "النيويورك تايمس" مقالا للخبير الاسرائيلي في الشؤون النووية أفنر كوهين مبني على حوارات مع مسؤولين اسرائيليين سابقين يفند فيه النظرية التي تقول ان اسرائيل اقتربت من اللجوء الى الخيار النووي في 1973. ويشير الى لقاء طرح فيه وزير الدفاع انذاك موشي دايان الخيار النووي، الا ان رئيسة الوزراء غولدا مائير قالت له بوضوح وحزم "انسى الموضوع".


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم