الإثنين - 09 أيلول 2024
close menu

إعلان

مذنبة... و"بالثلاث"

جمانة سلّوم حداد
A+ A-

"يعيّرني" بعض القرّاء الأعزاء بأني لا أكتب غالباً إلا لأهجو وأفضح وأنتقد، خصوصاً في شؤون السياسة اللبنانية وشجونها، وفي أوضاعنا التعيسة المهرولة الى الوراء. "أليس من الأجدى أن تنقلي لنا الإيجابيات لكي تظل ثمة فسحة أمل في هذه الصحراء القاتلة؟"، يقولون. "أنتِ شاعرة، أليس هذا دور الشعراء؟ أن يبعثوا في الناس الحياة بدلاً من تيئيسهم؟".
حسناً، فلأعترف: ليس عندي أغلى من هجاء السياسيين وفضحهم وانتقادهم. يمكنكم القول على هذا المستوى إنني مذنبة "بالثلاث". ولكن لأوضح: لستُ من اللواتي يؤيدن فعل ذلك بالمجان، أو ظلماً واستبداداً، أو سعياً الى استفزاز او لفت أنظار. فأنا لا أحبّ الاعتداء على كرامة العاملين في السياسة، تماماً مثلما لا أقبل منهم أن يمارسوا الغش والتزوير والسرقة وذرّ الرماد في عيوننا. فأيّ إيجابيات ترك لنا هؤلاء لكي نتكلم عليها وننقلها؟ أيّ فسحة أمل يخلقون في بلادٍ تنتحر يومياً، الى حدّ أن طائر الفينيق نفسه بات متعباً من الانبعاث ومن استخدامنا له كاستعارة لانتصارنا على الموت؟ أكادني أسمعه يقول: "حلّوا عن ضَهري. ما بقى عندي حَيْل".
لو كنتُ صاحبة رأي مسموع لحوّلتُ الجرائد والإذاعات والتلفزيونات والنشرات الشعبية ومواقع الانترنت الى منابر لفضح سياسيينا، وإماطة اللثام عن أكاذيبهم وألاعيبهم ومماطلاتهم وسعيهم الى مصالحهم الخاصة، وخصوصاً الوعود المعسولة التي يمطرون بها الرأي العام، فيرمونه في وهم التصديق، ومن ثمّ، في واقع المرارة الخائبة.
ليس غلطاً أن يقال إن السياسة هي فنّ الكذب. لكن الغلط أن يسمح الناس لهذا الغلط بأن يتمادى الى حدّ تصبح معه الحياة العامة لا تطاق.
في القديم، كان الشعراء، بعضهم يمدح السياسيين، وبعضهم الآخر يهجوهم. وإذا كنتُ لا أميل الى كيل المديح للسياسيين لمجرد أنهم يقومون بواجباتهم، فلا بدّ من تشجيع الشعراء على كيل الهجاء لهؤلاء إذا كانوا يخلّون بعهودهم.
من ينظر الى حياتنا العربية، من بيروت الى كل مدينة أخرى في العالم العربي، مشرقاً ومغرباً، لا بدّ أن يرى حجم الهول الذي يحيق بعالم السياسة والسياسيين. ثمة جحيم كاملة من التخلف والأمية والاستبداد وعدم الاكتراث، فضلاً عن جحيم الكذب والممالأة والسرقة، وسوى ذلك من عاهات، تغص بها أروقة السياسة ومجالسها، علناً وفي السرّ. أفلا يجب أن نمتشق الكلمات لنمعن فضحاً بهذا الفساد المستشري في حياتنا السياسية؟
فلنفضح جميعاً الظلام المعشش في حياتنا السياسية. هذا جزء من دورنا كبشر ومواطنين، لا فقط كشاعرات وشعراء.
صدّقوني: "بيحِمْلوا وأكتر".


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم