الإثنين - 09 أيلول 2024
close menu

إعلان

"حزب الله" ليس في وارد الانسحاب من سوريا بعدما "نجحت رهاناته وصحّت حساباته"!

ابراهيم بيرم
ابراهيم بيرم
A+ A-

يستحيل على "حزب الله" أن ينفي المعلومات التي راجت أخيراً عن سحب الوحدات النخبوية المقاتلة التي دفع بها قبل أشهر الى المواجهات الميدانية في الساحة السورية، كما يستحيل أن يؤكدها.


فالاعتصام بالصمت حيال أية معلومات تتصل بحراكه العسكري بات جزءاً أساسياً من مفاتيح شخصية الحزب، وسمة رئيسية من سمات مقاربته لهذه المواضيع، وهي "فضيلة" اكتسبها من رحلة مقارعته الطويلة للاسرائيلي، إلى درجة أن ثمة من يعتبر ان التكتم على معلومات تروّج هنا أو تظهر هناك مكون من مكونات نجاحه.
يوم ارسل الحزب أولى مجموعاته الى المعركة في سوريا شاء ألا يعلن ذلك، وترك الأمر لغزاً واحجية ومجالاً للتكهن من جانب كل المعنيين، وكذلك من المؤكد انه لن يعلن انه خرج من الميدان السوري أو انه ما زال حاضراً فيه.
لكن الثابت أن الحزب يرصد بدقة مسار هذا السجال المفتوح حديثاً، وابعاده ودلالاته في هذا الوقت بالذات. وليس خافياً عليه أن أول من تحدث به بطريقة تقترب من الجزم هو رئيس الجمهورية ميشال سليمان.
فخلال الايام القليلة الماضية ابان بعض سفرات الرئيس سليمان الى الخارج، نقل عن لسانه كلام مضمونه وجوهره ان "حزب الله" شرع في سحب تدريجي لمقاتليه من الميدان السوري، وانه لم يتبق هناك من هؤلاء الا النزر اليسير. وسواء استند سليمان الى معلومات متعجلة وغير دقيقة أو هو اجتهد من عندياته ليخدم دعواته المتكررة الى انسحاب الحزب من المعركة في سوريا، وهي اللازمة التي تكررت في كل الخطب والتصريحات التي أدلى بها قبيل سفراته الى الخارج، أو ليبعث برسالة الى من يعنيهم الامر بأن ثمة تجاوباً مع هذه الدعوة من الجهة المعنية، فإن هذا الكلام الرئاسي عزز فرضية تطور جديد مهم يمكن البناء عليه وهو ان لبنان اكمل شروط حياده والنأي بنفسه عن المعركة المشتد اوزارها في الساحة المجاورة، وهو ما من شأنه أن يعزز موقعه خارجاً وبالتالي يحسن النظرة الغربية اليه. ولم يطل مفعول هذا السجال حول الموضوع الذي شغل اللبنانيين وجذب الانظار عن كل المواضيع والملفات الاخرى، إذ سرعان ما حملت الانباء المتواترة من الارض السورية معلومات عن معركة حامية الوطيس خاضها الجيش السوري لاسترداد بلدة اساسية استراتيجية تقع على طريق مطار دمشق، وتشكل محوراً يصل بين مناطق متعددة، هي بلدة شبعا في الغوطة الشمالية للعاصمة، وتبين لاحقاً ان مجموعات الحزب المشاركة في هذه المعركة ابلت بلاءً حسناً في تحقيق هدف دحر المجموعات المعارضة، وان الحزب فقد خمسة من خيرة كوادره العسكريين في هذه المعركة التي اتسمت بالحماوة. ومع هذا البرهان العملاني، ظلت أصوات تصدر من هنا وهناك تتحدث عن أن الحزب أنجز انسحابه من سوريا أو هو في طريق الانجاز. بالطبع كان الحزب يدرك ان مصدري هذه الاصوات يفترضون أنهم "يحشرون" الحزب الذي صار لزاماً عليه الرد، فإما ينفي وذلك أمر جلل، واما يؤكد وذاك حدث له ما له وعليه ما عليه في السياسة والاستراتيجيا. وبصرف النظر عن هذا الامر، فالواضح بحسب أكثر من معطى ان الحزب لم يدخل بعد مرحلة البحث عن كيفية الخروج من سوريا، ولم يقارب هذه المسألة داخلياً في يوم من الايام وذلك لاعتبارات وحسابات دقيقة عدة:
- ان الاسباب التي دفعت بالحزب الى أخذ قرار المشاركة في مواجهات سوريا مع علمه ويقينه المسبق بأنه مكلف على كل المستويات، لم تسقط بعد، وبمعنى أكثر وضوحاً فان الحزب لا يمكن ان يدير ظهره ويتجاهل الموقف في سوريا وهو يشهد عن كثب توافد مقاتلين أجانب وعرب من اكثر من ثمانين دولة الى سوريا وهم ما أخفوا اهدافهم وتطلعاتهم في السعي لاقامة "امارة" سلفية التوجه وضعت في بنك اهدافها مواجهة الحزب في يوم من الايام في عقر داره في الداخل اللبناني.
- ان كل التداعيات التي نجمت عن قرار دخوله الميدان قد استنفدت اغراضها ومفاعيلها وانتهت عملياً الى درجة أن وجوده هناك لم يعد المادة الأساسية في خطاب خصومه المحليين والخارجيين.
ولم يعد خافياً ان الواقع اللبناني تأقلم مع هذا الحدث، فضلاً عن ان شارع الحزب وقاعدته "تطبّعا" مع هذا الامر وتكاليفه واستطراداً تداعياته وارتداداته.
- ان الحزب يعتبر عملياً ان الأحداث والتطورات المتسارعة التي تلت التفاهم الاميركي – الروسي قبل فترة قصيرة والتي انهت خطر الضربة العسكرية لسوريا، أظهرت ان ثمة اخطاراً مرت وان ثمة وقائع لمصلحة النظام وسوريا واستطراداً لحلفائه قد بدأت تتكرس وتفرض نفسها على صفحة الواقع، وهو ما يعطي انطباعاً فحواه ان ثمة خيارات اخذها الحزب عدّها البعض مغامرة غير محسوبة الواقع قد بدأت تؤتي اكلها وتثبت صحتها.
- ان طريقة مشاركة الحزب في الميدان من الأساس خضعت لاعتبارات غير تقليدية، فهو لا يمكنه ان يكون في كل ميادين المواجهة الممتدة على كل مساحة الجغرافيا السورية التي تقارب الـ190 الف كيلومتر مربع.
وعليه فان المشاركة كانت محسوبة بدقة إن من حيث الميدان او من حيث المهمات الموكولة الى فريقه المقاتل وهو ما اعطى ثماره في معركة القصير والتي كانت بداية لتحول عسكري قلب المعادلة رأساً على عقب وفرض معطيات ووقائع جديدة ما برحت تفعل فعلها، وبناء عليه صارت المشاركة العسكرية محصورة ومنتقاة على أن تكون ذات فاعلية مدوية وحاسمة.
وفي كل الأحوال، فان التطورات الميدانية والسياسية الأخيرة في الساحة السورية أنتجت وقائع ومستجدات مكّنت قيادة الحزب من ان تقول لجمهورها المتخوف اساساً ان رهاناتها نجحت وحساباتها لم تكن من الأساس خاطئة او ذات طبيعة مغامرة، لذا ليس في قاموس الحزب اطلاقاً حديث الانسحاب من سوريا.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم