الإثنين - 09 أيلول 2024
close menu

إعلان

هل يوصد برّي أبوابه أمام الحوار بعد ما حصل في مجلس النواب؟

ابراهيم بيرم
ابراهيم بيرم
A+ A-

يرفض المقربون من رئيس مجلس النواب نبيه بري الاجابة بشكل حازم وقاطع عن سؤال فحواه هل ان ما حدث أخيراً بشأن الجلسة التشريعية في المجلس وعدم تجاوب تيار "المستقبل" مع فكرة المشاركة في هذه الجلسة هو بمثابة "نعي" للحوار الذي بدأ قبل فترة بين الرئيس بري ورئيس كتلة "المستقبل" فؤاد السنيورة. فالامر بالنسبة اليهم لا تجوز مقاربته على هذا النحو لاعتبارين اساسيين:


- لأن التجارب علمت بري أن ليس في السياسة اللبنانية ولا سيما على مستوى العلاقة بين مكوناتها عداوات دائمة.
- ولأن مستقبل الوضع في البلاد في ظل المجريات والتحولات الاقليمية المتسارعة والتي تلقي بظلالها التفجيرية على الساحة اللبنانية، لا يسمح اطلاقاً "بترف" اللعب بالوقت أو جعل مثل هذا النوع من اللقاءات الحوارية ورقة سياسية لممارسة الابتزاز تارة أو لتسجيل المواقف تارة أخرى.
لا ينكر هؤلاء ان الرئيس بري اتبع نهجاً تصعيدياً في المواقف أخيراً وبالتحديد عندما أتاه الجواب سلبياً من لدن السنيورة على احتمال المشاركة في الجلسة التشريعية التي يدعو اليها ويؤجلها للمرة السابعة على التوالي منذ التمديد للمجلس الحالي، ولا ينكرون ايضاً ان بري قال كلاماً لم يسبق له ان قاله عندما اتهم السنيورة وحتى الرئيس نجيب ميقاتي بممارسة نوع من "ديكتاتورية" سياسية تعطل المسار السياسي والتشريعي في البلاد تحت لافتة الحؤول دون خرق الصلاحيات، وبالنسبة الى هؤلاء لم يكن هذا الكلام مجرد "فشة خلق" أو قيل في لحظة "غضب"، بل هو كلام واعٍ من قطب سياسي مجرب ومدرك لمخاطر ان تدفع الحسابات السياسية الضيقة والشعبوية في هذه المرحلة الشديدة الحساسية ببعض الاطراف الى المساهمة في التجني على الميثاقية وحتى على اتفاق الطائف نفسه الذي جعلوه خلال الحقبة الزمنية الاخيرة في مصاف المقدسات و"التابوات" ساعة شاؤوا، والتي من غير المسموح المس بها أو توجيه انتقادات الى بعض مضامينها ومندرجاتها. ووفق ما ينقل هؤلاء عن بري نفسه فإن هذه النمطية و"الصنمية" السياسية أمر يستنسخ في طياته تجارب سابقة ساهمت في وقوع البلاد في حالات احتراب.
وعليه، فإن هؤلاء يؤكدون ان بري لن يتوانى اطلاقاً عن الوقوف بصلابته المعروفة في وجه هذا النهج الذي أقل ما يقال فيه انه "فئوي وديكتاتوري"، وان رهان البعض على امكان ان تأتي ساعة ويستسلم فيها بري لواقع الحال وبالتالي ينكفئ ويعيد حساباته هو رهان بلا سند واقعي، لأن بري يعتبر ضمناً ان هذا النوع من القنوط واليأس الاستسلام يعد تخلياً عن كل نتائج رحلة النضال السياسي التي بدأها في وجه "ديكتاتورية" سياسية مماثلة مطلع عقد الثمانينات من القرن الماضي، وذلك بغية ارساء شركة وتوازن سياسي في البلاد فتح الابواب لاحقاً للمصالحة الوطنية في مطلع عقد التسعينات.
وعلى هذا الاساس، فإن هؤلاء المقربين من رئيس المجلس يعتبرون ان قرار بري الانفتاح على معاودة الحوار مع بعض رموز الفريق الآخر، هو بالنسبة اليه قرار وليس خياراً خصوصاً ان بري يدرك تمام الادراك ان البلاد على شفا حفرة من دفع الفواتير والاثمان الكبيرة، وبالتالي فإن اعتقاد البعض ان المرحلة هي مرحلة تقطيع وقت والانتظار على قارعة الحدث هو اعتقاد غير المدرك والمستشرف لجوهر الاحداث وتطوراتها وتحولاتها الدراماتيكية في المنطقة.
وعندما فتح بري ابوابه للشروع في رحلة التحاور مع الآخر لم يكن، وفق قول البعض، يريد "استجداء" دور في وقت مستقطع أو ممارسة "جرجرة" وبهدلة لأحد رموز الفريق الآخر وفق تعبير احد قادة "المستقبل"، بل ان بري كان يدرك ايضاً حاجة هذا الفريق الآخر نفسه الى ولوج باب الحوار بحثاً عن حلول وتفاهمات. فالذي يرصد بدقة عمق المشهد الطرابلسي وجوهر الأحداث في بعض مناطق الشمال والبقاع يستنتج امكان ان يستفيق هذا الفريق وبالتحديد تيار "المستقبل" ذات صبيحة، ليجد زمام القرار في شارعه قد أفلت من يده وانتقل الى جهة اخرى. ولعل طرابلس هي النموذج الجلي لمثل هذه المخاوف، فلقد صار قرار المدينة السياسي والأمني على وشك ان يضيع، مما صعَّب على القوى الأمنية مهمة ضبط الوضع وتنفيذ الخطة الحاسمة التي طال الحديث عنها وعن ضرورتها واستطال الحديث في الوقت عينه عن عدم القدرة على تطبيقها وانجازها، فصارت عاصمة الشمال الضحية التي تنزف من ابنائها واقتصادها بشكل يومي، والتي باتت تتقلّى على نار جولة عنف جديدة. ولا يخفي هؤلاء المحيطون ببري ان رئيس حركة "امل" كان لحظة فتح ابوابه لاستقبال السنيورة والتحاور معه على معرفة يقينية بالتباينات والرؤى المتناقضة التي تعتمل داخل الفريق الآخر حيال العديد من الملفات الأساسية في البلاد خصوصاً في ظل العجز عن استيلاد الحكومة الجديدة الموعودة، وليس أكثر مصداقاً لذلك من الوصف الذي اطلقه احد رموز تيار "المستقبل" على لقاءات بري – السنيورة واعتباره اياها "جرجرة" للأخير وهو نوع من الهزل والاسفاف السياسي غير المسموح به في هذه المرحلة.
وعموماً، فان من المحيطين ببري من يقول صراحة ان رئيس المجلس كانت لديه الجرأة لكي يطلق مبادرة سياسية متكاملة تنطوي على اكثر المواضيع حساسية لفريقه السياسي من دون العلم المسبق لهذا الفريق على حد ما اكد الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في احد خطبه بعد ذكرى اختفاء الامام موسى الصدر في 31 آب، ولكن بدا واضحاً ان الآخرين لم تكن لديهم الجرأة وربما القدرة على السير قدماً في خطوات من شأنها ان تشكل ايجابيات تساهم في اراحة الوضع السياسي وتخفف حدة الاحتقان، وبالتالي تؤسس لملاقاة المرحلة المقبلة.
ومع ذلك، فان بري ما زال يردد ان ابوابه مفتوحة لمن يبحث عن حوار واستتباعاً عن حلول، ومجدداً يؤكد هؤلاء وحسماً للجدل البيزنطي الذي يفتعله الفريق الآخر حول مسألة وهمية عنوانها العريض انهم يواجهون "اطماع" بري في تكريس النظام المجلسي في ظل الحكومة المستقيلة، ان اتفاق الطائف نفسه شرّعه مجلس النواب في ظل غياب حكومة اصيلة، واتفاق 17 ايار اقرّه مجلس النواب عام 1983 وكانت الحكومة مستقيلة وقبله اتفاق القاهرة الذي ألغي في ظل حكومة مستقيلة.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم