الإثنين - 09 أيلول 2024
close menu

إعلان

الاتفاق الإيراني الدولي

مروان اسكندر
مروان اسكندر
A+ A-

أردنا وصف الاتفاق بين ايران وممثلي الدول الخمس المتمتعة بالفيتو في هيئة الامم اضافة الى ألمانيا بانه اتفاق دولي يقع ضمن شبكة المنظمة الدولية للطاقة الذرية التابعة للامم المتحدة وهي الهيئة الناظمة لمعاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية.
بداية، الاتفاق يؤكد تمتع ايران بحرية تخصيب الاورانيوم للاستعمالات السلمية واهمها انتاج الطاقة الكهربائية. وللتذكير فقط، نشير الى ان مفاعل ابو شهر، الذي بدأت بناءه عام 1975 شركة المانية وتوقفت بعد بداية الحرب العراقية - الايرانية، أنجزه الروس اخيرا وهو يعمل حاليا بطاقة تفوق الـ1000 ميغاوات.
مناقشة الدول الغربية ايران في حقها في التخصيب للاستعمالات السلمية امر غير اخلاقي. فالولايات المتحدة وفرت لايران الشاه مفاعلا صغيرا للاستعمالات الصحية منذ عام 1975، ووفرت التدريب على التخصيب الى حدود خمسة في المئة ضمانا لاستمرار عمل المفاعل. والفرنسيون والالمان تعاقدوا عام 1974 على بناء مفاعلين نوويين لانتاج الكهرباء، وعلى تدريب طواقم ادارة هذين المفاعلين، وتاليا فان الادعاء حالياً ان التخصيب لنسبة خمسة في المئة يشكل مؤشراً لخطر مقبل، امر مثير للاستغراب، خصوصاً ان تفاعل ايران مع الاستعمالات النووية الصحية - لمعالجة امراض السرطان - والاقتصادية ـ لانتاج الكهرباء ـ كان نتيجة المبادرات الغربية وقت ارتفعت اسعار النفط وساد جو من الحذر حيال توافر صادرات النفط وامكانات كفاية حاجات الدول الصناعية.
إضافة الى كل الوقائع المشار اليها، يبدو من وجهة نظرنا ان ايران، حينما تخلت عن التخصيب للأغراض العسكرية، قدمت تضحية كبيرة لان اسرائيل تملك عشرات القنابل النووية وقد خاضت حروباً عدة خلال السنوات الستين المنصرمة مع الاردن، وسوريا، ومصر، ولبنان، والفلسطينيين، في حين ان ايران اتخذت خطوات عسكرية في السيطرة على جزر في الخليج، ثمة نزاع على ملكيتها، وواجهت حرباً ضروساً شنها عليها صدام حسين وتسببت بخسارة المليارات وأكثر من مليون ايراني وعراقي.
الحديث الديبلوماسي يدور حول تنفيذ بنود الاتفاق الاولي لمدة ستة اشهر وبرنامج خفض العقوبات على ايران وسنتحدث عن هذه قليلاً في ما بعد.
في رأينا ان الاتفاق نهائي لأسباب عدة اهمها الآتي:
- الاحتقان السني - الشيعي في المنطقة وأبعد منها والدور الاساسي لإيران في تهدئة الامور.
- تعتبر ايران، دونما نظر الى المواقف السياسية منها، من الدول الخمس التي تحدد مستقبل المنطقة، وهي، اضافة اليها، تركيا، ومصر، والسعودية، واسرائيل.
- تحتوي ايران على ثالث اكبر احتياط من النفط في منطقة الشرق الاوسط بعد العراق، والسعودية، وهي تحتوي على ثاني اكبر احتياط من الغاز في العالم.


- ايران والعراق هما البلدان اللذان يعتمد على مصادرهما النفطية وحاجاتهما الانشائية بعد سنة 2015 لإنعاش الاقتصاد العالمي، ولا حاجة الى التذكير بان عدد سكان البلدين يفوق الـ110 ملايين نسمة وان حاجاتهما الاعمارية سنوياً تتجاوز الـ250 مليار دولار، وهذه اسواق لا يستهان بها للغرب، كما للصين وكوريا واليابان.


- الخوف من ان تدفع زيادة انتاج النفط في ايران اسعاره الى التراجع بقوة، أمر غير حقيقي للاسباب الآتية:
إن زيادة الانتاج لن تتحقق بسرعة لان التجهيزات الاساسية للانتاج والنقل واجهت تآكلاً من دون توافر القدرة على استيراد المعدات الخاصة بصناعة النفط بسبب العقوبات التي فرضت بداية بعد احتجاز عدد من الاميركيين في سفارتهم عام 1979، كما حظر على ايران استيراد قطع الغيار لطائراتها التجارية فلم تتوصل الى تعزيز اسطولها التجاري، واجهت من بعد عقوبات لمنع استيراد الطائرات الحربية وعقوبات لحصر صادرات النفط، لكن الاخيرة خالفها الصينيون، والروس، والهنود ولم يقف في وجوههم احد.
وستحتاج ايران الى سنتين او اكثر لزيادة انتاجها الى مستوى خمسة ملايين برميل من النفط، اما انتاج الغاز وضخه في الاسواق الخارجية او تسييله لشحنه بالناقلات المبردة فتحتاج الى ثلاث الى اربع سنوات.
لقد كان انتاج ايران عام 2013 على مستوى اربعة ملايين برميل يومياً، في مقابل 3,6 ملايين برميل يومياً عام 1996، لكن استهلاك ايران عام 1996 كان على مستوى 1,1 مليون برميل يومياً حين كان عدد سكانها 60 مليوناً، وقد اصبح استهلاك ايران حالياً 2,4 مليوني برميل يومياً وعدد سكانها 75 مليوناً.
والنفط الايراني لن يتدفق بسرعة، خصوصا وان الحاجات المحلية سواء للسيارات، او للطائرات، او للشاحنات، او للتدفئة ستزداد بسرعة مع اطلاق عمليات انجاز الانشاءات واعادة تنشيط الاقتصاد.
وسوف تكون ايران دولة اساسية للدول الصناعية المصدرة وللشركات النفطية الكبرى. وجدير بالذكر ان الروس والصينيين لديهم عقود ملحوظة لتطوير مصادر النفط والغاز في ايران وكانوا سابقاً يتمهلون كي يتفحصوا امكانات الاستقرار مستقبلاً.
تحتاج ايران الى الوئام نفسه مع المجتمع الدولي وهذا التوجه تجلى في تاريخ انتخاب الرئيس روحاني بغالبية مريحة من الدورة الاولى وكثافة المقترعين عبّرت عن رغبتهم في تعديل منهاج التعاون الدولي.
والرغبة الايرانية في بناء ايران على اسس الانفتاح والتعاون الدولي واضحة، وحاجة العالم الغربي والشرقي، ويجب ان نتذكر ان حجم اقتصاد الصين والهند، وكوريا واليابان وروسيا، وجميع هذه الدول يمكن تصنيفها بانها من العالم الشرقي، بات يتجاوز حجم الاقتصاد الاوروبي، كما حجم الاقتصاد الاميركي.
وتستطيع ايران على الغالب خلال سنتين زيادة صادراتها من النفط والغاز الى ما يوازي مليوني برميل يوميا، أي ما يزيد عن الوضع الحالي بمليون برميل، وهذه الكمية لن تتسبب بانهيار اسعار النفط، والدخل الذي يتوافر لايران من هذه الصادرات يوازي 200 مليون دولار يومياً او 72 مليار دولار سنوياً. وجدير بالذكر ان لايران اموالا مجمدة، اعتباطا تفوق الـ100 مليار دولار، كما لديها احتياطي يتجاوز الـ150 مليار دولار. بكلام آخر، القيادة الايرانية تستطيع تحقيق خطوات مطمئنة للإيرانيين على صعيد الانتاج والدخل والاستهلاك خلال ستة اشهر من تاريخه وما بعد.
الاتفاق المنجز بداية اعادة التفاهم دولياً مع ايران ولن يُنقض خلال الاشهر الستة المقبلة، فمصالح الدول الغربية والصناعية الشرقية مرتبطة بإيران وطاقاتها ارتباطا وثيقا.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم