الإثنين - 09 أيلول 2024
close menu

إعلان

الثقة حافظت على الاستقرار النقدي والمصرفي و"هيبة الدولة" أسقطت الاستقرار الأمني

اميل خوري
A+ A-

منذ العام 2005 ولا استقرار سياسياً وأمنياً في لبنان بل استقرار نقدي ومصرفي لأن السلطة هيبة لكنها مفقودة والاقتصاد ثقة وهي موجودة.


لقد نجح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في المحافظة على الاستقرار النقدي بقوّة الاحتياط المرتفع من العملات الأجنبية فكان ذلك مبعث ارتياح عند اللبنانيين وفتح نافذة أمل لهم، كما نجح في جعل القطاع المصرفي يحافظ على ثقة المودعين ويجذب المزيد من الودائع إليه، ونجح أيضاً في ضخ السيولة في شرايين الحركة الاقتصادية من تجارية وصناعية وزراعية وسكنية ليخرج الحركة من جمودها.
أما الاستقرار السياسي فلم يتحقق لأن الانقسام الحاد بين اللبنانيين حول المواضيع الدخلية والقضايا الخارجية جعل المصالح الخاصة تتقدم على المصالح العامة ولا من يضحي من أجل الوطن ولا من أجل المواطن. وقد حال هذا الانقسام دون تشكيل حكومات منسجمة ومتجانسة كي تحكم وتنتج، كما حال دون إجراء انتخابات نيابية في موعدها فصار التمديد ولو بالاكراه لمجلس النواب، وقد يحول استمرار انقسامهم دون اجراء انتخابات رئاسية في موعدها ولا يحقق الاستقرار الأمني لأن هيبة السلطة مفقودة، وعندما تكون مفقودة فذلك ينسحب على كل مؤسسات الدولة ولاسيما منها الأمنية والعسكرية والقضائية. فإذا كان سلاح الثقة يحمي الاقتصاد ويحافظ على ديمومة استقراره فإن سلاح الهيبة يحمي السلطة بكل مؤسساتها ويحافظ على الاستقرار الأمني. ولكن كيف تبقى السلطة محتفظة بهيبتها عندما يكون خارجها سلاح يفوق سلاحها قوّة كماً ونوعاً، وكيف للعدالة أن تتحقق بين اللبنانيين عندما لا تستطيع الدولة جلب المطلوبين إلى القضاء، وكيف للمساواة أن تتحقق بين اللبنانيين عندما يكون بينهم من هم فوق القانون ومن هم تحت القانون، فالقول بأن العدل أساس الملك ليس شعاراً بل قرار يطبق، وإذا لم يكن عدل بين الناس فلا استقرارلملك.
في مستهل عهد الرئيس كميل شمعون وقعت اشتباكات مسلحة بين لبنانيين في إحدى المناطق الجبلية، فطلب من القوى الأمنية اعتقال كل من شارك فيها وإحالتهم على القضاء. لكن هذه القوى عملت على تحقيق الأمن بالتراضي، الأمر الذي أغضب شمعون فقال للمسؤول الأمني الذي فعل ذلك: لا أريد أن يبدأ عهدي بهذه الطريقة التي تسقط هيبة الدولة. فالأمن الذي يتحقق بالتراضي في مناطق قد يصبح قاعدة لتحقيقه في مناطق أخرى وهذا مرفوض. فقوى الأمن الداخلي عندما تعجز عن السيطرة على الحوادث عليها أن تستعين بقوى الجيش التي لا مساومة معها ولا تراضٍ بل فرض القانون بقوة السلاح إذا لزم الأمر إذا لم تكفِ هيبة الدولة التي تجعل المتقاتلين يوقفون قتالهم ويساق المسؤولون بينهم إلى القضاء.
الواقع أن هيبة السلطة تغني عن استخدام السلاح، والوفاق السياسي يفوق بقوته قوّة مئة ألف جندي ويحول دون حصول حوادث أمنية، لكن سقوط هيبة الدولة والخلافات السياسية الحادة يشجعان على حصول الحوادث وتعجز الدولة التي تكون قد فقدت هيبتها عن قمعها.
لذلك، فإن لبنان يعيش منذ العام 2005 بلا استقرار سياسي لأن لا وفاق بين السياسيين على المواضيع الداخلية المهمة وعلى السياسة الخارجية ويعيش بلا استقرار أمني لأن السلاح الموجود خارج الدولة أفقدها هيبتها وباتت أعجز من ان تقمع الأحداث التي تقع فتلجأ إلى سياسة الأمن بالتراضي مع الأقوياء وتطبيق القانون على الضعفاء. وعندما تميز الدولة في تعاملها بين أبنائها فإنها تجعل منهم أبناء ست وأبناء جارية، منهم من يساق إلى القضاء لأنه ضعيف ولا أحد يحميه، ومنهم من يهرب من القضاء ويلجأ إلى من يحميه. عندها لا يكون استقرار سياسي ولا استقرار أمني ولا قضاء، بل تسود شريعة الغاب باللجوء إلى الثأر والانتقام دفاعاً عن النفس حين لا تستطيع الدولة الدفاع عن أبنائها بتطبيق القانون على الجميع من دون تمييز. وعندما يتعطل القضاء بفعل عجز الدولة وضعفها، فالأمن قد يصبح عندئذ ذاتياً والأخذ بالثأر هو الشريعة... وباب التبانة وتفشل كلها.
إن العدل هو أساس الملك ولا ملك من دونه، حتى أن الظلم في السوية يبقى عدلاً في الرعية، كيف إذا كان الظلم يقع على فئة من دون أخرى؟ والكل يشهد أن لبنان لم يستقر في تاريخه سياسياً وأمنياً إلا عندما كان يتساوى فيه من هم فوق القانون ومن هم تحت القانون، وعندما تفقد السلطة هيبتها تفقد قوّة كل سلاح، كذلك الاقتصاد إذا فقدت الثقة به فلا شيء يستطيع النهوض به.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم