الأحد - 08 أيلول 2024
close menu

إعلان

لهذه الأسباب يصرّ "حزب الله" على اعتبار اغتيال اللقيس "ضربة" إسرائيلية مباشرة

ابراهيم بيرم
ابراهيم بيرم
A+ A-

ساعات قليلة وتبددت فرضية أن يكون أحد القادة الميدانيين في "حزب الله" حسان اللقيس قد سقط برصاص الجهة التي يمكن للبعض أن يرى انها جهة معنية بصراعات الميدان السوري، وصار احتمال أن يكون الجاني هو العقل المخابراتي الاسرائيلي، هو الأكثر رجحاناً.


الدوائر المعنية بالموضوع في الحزب، عرضت كغيرها فرضية أن تكون يد غير اليد الاسرائيلية قد امتدت الى هذا القيادي المخضرم، انطلاقاً من حزمة اعتبارات وفرضيات، لكن لا المعطيات والوقائع السريعة التي توافرت حول ملابسات عملية الاغتيال ولا الربط المنطقي الاستقرائي لمسار الامور شجع بالمضي قدماً في تمحيص هذه الفرضية وأخذها بالاعتبار والبناء عليها.
انه إذن، ومن دون أدنى شك جهاز الاستخبارات الاسرائيلي المخطط والمستفيد بصرف النظر عن الجهة المنفذة، التي كمنت وأطلقت الرصاص قرابة منتصف ليل الثلثاء الماضي بقليل، ولو كان لدى الحزب من المعطيات ما يشير الى خلاف ذلك لكان سارع الى تسمية الجهة المشبوهة مهما كانت هويتها، خصوصاً أن قيادة الحزب باتت على قناعة تامة بأن تجهيل الفاعل وعدم تسمية الفاعلين أو المشتبه فيهم أمر بلا جدوى، بل ان المطلوب من الآن فصاعداً مواجهة الفاعلين ومن يقف وراءهم ويمولهم ويخطط لهم، انطلاقاً من قرار ان لكل مستجد قواعد لعبته وان "فترة السماح" والانذارات بقصد التنبيه قد استنفدت اغراضها واستهلكت نفسها. ولماذا الجزم بأن اسرائيل دون سواها هي المسؤولة عن هذا الفعل الموجع للحزب؟
اعتبارات واثباتات عدة تجعل الدوائر المعنية في الحزب لا توجه اصابع الاتهام إلا الى العقل الأمني الاسرائيلي وأبرزها: ان اللقيس هو الذي يتولى منذ فترة بعض المهمات والملفات العسكرية والأمنية الدقيقة عينها التي تولاها اسلافه: علي صالح، غالب عوالي، وعلي ديب سلامة وهم الذين سقطوا تعاقباً بعد عام 2000 بطريقة الاغتيال.
ومن البديهي أن يصير هؤلاء اهدافاً لاسرائيل، لأنهم يشغلون في شكل أو آخر مهمات وينفذون عمليات لها صلة مباشرة بالاراضي الفلسطينية المحتلة ولها صلات ايضاً بجمع المعلومات عن القوات الاسرائيلية ونظامها الأمني والعسكري، ورصدها ومتابعة تحركاتها وامتداداتها، بدليل ان المصادر الاعلامية الاسرائيلية والغربية تحدثت صراحة عن ان اللقيس كان منذ فترة على لائحة الاستهداف الاسرائيلي وان محاولات عدة جرت لاصطياده، وكادت احداها تنجح في حرب تموز عام 2006 باستهداف سيارة الدفع الرباعي التي كان يستقلها، لكنه نجا بأعجوبة واستشهد نجله ابن الستة عشر ربيعاً. وحسب المصادر نفسها فإن اللقيس نجح في تأدية الكثير من المهمات الموجعة للمؤسسة العسكرية الاسرائيلية، وكان باستمرار يدأب على تطوير نفسه وتحديث معلوماته ومهماته التكنولوجية على نحو أصبح فيه يشكل خطراً حاضراً ومستقبلياً على الإسرائيليين فصار أمر شطبه من المعادلة ضرورة ملحة بالنسبة لها.
الامر الآخر الذي يجعل "حزب الله" على قناعة تامة بمسؤولية اسرائيل عن هذا الفعل هو ادراكه ان المواجهات الأمنية الخفية بينه وبين اسرائيل تستعر دوماً في فترات الهدوء الظاهري فإسرائيل التي دأبت على أن تكشف بشكل دوري عمليات خرق ينجح ذراع الحزب الأمنية في تحقيقها في داخل العمق الاسرائيلي أو حتى في الخارج، سواء عبر الكشف عن "مخبرين" للحزب وهو رأس جبل جليد من المواجهات المكلفة البعيدة عن الاضواء وما يكشف عنه هو أقل بكثير مما هو فعلي، لأنها عبارة عن حرب استنزاف فعلية ممتدة ومتشعبة، كانت أبرز ميادينها وتمظهراتها في الفترة الماضية الكشف عن شبكات العملاء الاسرائيليين الذين ضبطوا بالجرم المشهود على امتداد الساحة اللبنانية والذين بلغ تعدادهم بحسب بعض الاحصاءات أكثر من 29 عميلاً تنوعت مهماتهم قوة خدمتهم.
ولعل في دوائر الحزب المعنية من يعزو تطوير اسرائيل لمنظومة التجسس على الشبكة الخليوية اللبنانية عبر أجهزة متطورة ركب بعضها حديثاً وبعضها الآخر موجود منذ زمن على طول الحدود اللبنانية هو نتيجة يأسها من القدرة على انشاء خلايا وشبكات تجسس بالطرق والانماط التقليدية المعروفة بالشكل الذي يفي بالغرض ولا يبقي إسرائيل في "حالة عمى". كما يجري في الداخل اللبناني. ولا ريب أن ثمة من يسأل لماذا ضربت إسرائيل ضربتها الموجعة هذه في هذا التوقيت بالذات؟
حسب مصادر على صلة بالحزب، وبناء على تجارب مماثلة سابقة فإن العقل الأمني الإسرائيلي يضرب ضربة من هذا النوع فور توفر جملة وقائع له أبرزها:
- ثقته بالقدرة على الوصول للهدف الموضوع على لائحة الاستهداف.
- توفر البيئة السياسية والأمنية التي تحمي عملية الاغتيال أو الضربة وفي مقدمها عدم قدرة الفريق المستهدف على الرد الفوري مما يفتح باب الاحتمالات الدراماتيكية على مصراعيه، ويفرض أمراً واقعاً متدحرجاً.
- أن تزيد الضربة الخاطفة الموجهة من إرباك الخصم المستهدف، وتحبط معنوياته، وتؤثر سلباً على وضعه المعنوي والمادي في آن خصوصاً في بيئته الحاضنة. ويبدو واضحاً أن الظرف الراهن في الداخل وفي الاقليم يوفر وفق الاعتقاد الإسرائيلي الشروط الثلاثة معاً.
فالقيادي المستهدف والذي سقط كان يعتقد أنه صار بعيداً عن الاستهداف، خصوصاً أنه لم يكن قد مر على انتقاله إلى الشقة التي اغتيل على مدخلها أكثر من أربعة أشهر وهي تقع ضمن مجمع من ثلاثة مبانٍ وليس فيها من يعرفه ويعرف مهماته وهي تخلو من أية إجراءات أمنية مثيرة للانتباه.
أما الشرط الثاني فإن الإسرائيليين يعتقدون أنه متوفر الآن من خلال تداعيات انخراط "حزب الله" في مواجهات الميدان السوري وغرقه فيها مما يجعله غير قادر على الرد سريعاً.
أما الشرط الثالث أي التأثير على معنويات الحزب، فإن الإسرائيلي يعتقد أنه متوفر تلقائياً من خلال استهداف كادر قيادي ميداني له هذا الدور في داخل الضاحية الجنوبية، وفي عدم قدرة جهاز الحزب الأمني على اكتشاف "شبكة" الجناة سريعاً.
هل "الضربة" التي تلقاها الحزب هي فعلاً إشارة على تراجع قدراته الردعية والأمنية حسبما بادر البعض إلى القول؟
الرد من جانب الحزب بالإشارة إلى عمليات اغتيال مماثلة لكوادر لهم صلة مباشرة بمهمات دقيقة في الداخل الإسرائيلي حصلت قبل أعوام عدة وبالتحديد إبان لم تكن هناك مواجهات في سوريا ولم يكن الحزب مشاركاً فيها.
إلى جانب ذلك فإن هذه الكوادر لدى الحزب لم تعتد أن تكون حمايتها عبر حراس ونقاط حراسة ومرافقين وما إلى ذلك، بل هي اعتادت أن تعتمد أسلوب التخفي وعدم الاختلاط، والظهور.
أما التحدي الآخر الذي لا ينكره معنيون في الحزب، فهو يتمثل في أن ما حصل هو أول عملية اغتيال لكادر من كوادره بواسطة كواتم الصوت، فهو بالنسبة للحزب رسالة يعرف جيداً مضامينها المادية والمعنوية.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم