الأحد - 08 أيلول 2024
close menu

إعلان

ثورة الدستور

امين قمورية
A+ A-

الاستفتاء على تعديل الدستور المصري محطة مفصلية في تاريخ هذا البلد. مصر قبل هذا الاستفتاء شيء وما بعده شيء آخر. كل الاستحقاقات معلقة على الدستور ومعركته وبته مؤجل الى حين صدور النتائج النهائية. حصيلة المعركة تمهد الطريق للانتخابات الرئاسية والنيابية تستكمل بناء مؤسسات الدولة التي اصيب بعضها بالشلل طوال ثلاث سنوات.
"الاخوان" يصرون على ان ما حصل في "30 يونيو" كان انقلاباً على شرعيتهم التي اكتسبوها في صناديق الاقتراع ولم يصدقوا بعد أنهم خسروها في عقول غالبية المصريين وقلوبهم. لكن هذه الجماعة التي حملتها في الامس القريب الصناديق نفسها الى قمة السلطة، تخاف اليوم الاحتكام اليها وتدعو جمهورها الى المقاطعة. ومع ذلك وعلى رغم تراجع شعبيتها بالضغوط الكبيرة عليها وسجن قادتها وملاحقتهم ونفيهم الطوعي، لا تزال قوة شعبية يحسب لها حساب وقادرة على التعطيل.
معركة الدستور ستكون اختبارا لحجم الجماعة ومدى تراجع شعبيتها. والتصويت بـ"نعم" كبيرة لمصلحة النص الدستوري الجديد يفضي الى تأسيس شرعية دستورية جديدة ويلغي الشرعية المنسوبة الى الرئيس "الاخواني" المعزول، لا بل أكثر قد يعني رمي الجماعة الى الهامش السياسي.
في المقابل، السلطة الانتقالية الحالية لا تزال متخبطة وترتكب الهفوات والاخطاء وآخرها اقرار قانون التظاهر المثير للجدل، والتي كان من شأنها تضييق مساحة القوى المتحالفة في "30 يونيو" واخراج بعضها الى المعارضة . لكن النتيجة الايجابية تعزز شرعيتها وحكمها وتحسن أداءها وادارتها. وكلما كان الاقبال على صناديق الاقتراع كثيفاً ونسبة المقترعين بـ"نعم" عالية، تصدعت المواقف الدولية المناهضة للحكومة الحالية التي يتهمها بعض العواصم الكبرى بانها انقلابية وجاءت على ظهر الدبابات.
نص الوثيقة الدستورية الجديدة اكثر تقدمية مما سبقها من دساتير مصرية وخصوصا من حيث ما تضمنه من حرص على الحريات الفردية والعامة وتأكيد للمواطنة والوحدة الوطنية وحقوق المرأة. لكنه يبقى دون طموحات "ثورة 25 يناير" وتطلعات الشباب الى العصرنة.
ثورة مصر، ثورات متلاحقة وممتدة. أولاً كانت "ثورة 25 يناير" من اجل الحرية والكرامة ولقمة العيش التي فجرها الشباب وصادرها "الاخوان"، ثم كانت "ثورة 30 يونيو" من اجل اسقاط مشروع الدولة الدينية التي صنعها الشباب ايضا ورعاها الجيش وتصدرها الليبراليون الذين قدموا الشأن المالي على حساب الِشأن الاجتماعي. وأخيراً يمكن معركة الدستور الجديد اذا ما أعيد النظر في بعض شوائبه في اطار المؤسسات الاشتراعية المنتخبة لاحقاً، ان تكون ثورة ثالثة ترسم مستقبل مصر كما اراده شبابها في الثورتين السابقتين.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم