الأحد - 08 أيلول 2024
close menu

إعلان

التدخّل في سوريا أدخل الإرهاب إلى لبنان وعدم تنفيذ الطائف حال دون دولة قوية

اميل خوري
A+ A-

يمكن القول إن من أوصلوا البلاد إلى هذا الوضع المأسوي سياسياً وأمنياً واقتصادياً هم الذين لم يعملوا فعلاً على إقامة دولة قوية بجيش قوي منذ ان خضعت للوصاية السورية وكان لهذه الوصاية مصلحة في أن يبقى لبنان في حاجة اليها، وهم أيضاً الذين لم يولوا تنفيذ اتفاق الطائف تنفيذاً دقيقاً كاملاً أهمية ليصبح قادراً على توفير الاستقرار والأمن الدائمين والثابتين.


لقد نصت المبادئ العامة في اتفاق الطائف على أن "لبنان وطن سيد حر مستقل" لكنه لم يكن كذلك في التطبيق والممارسة، ونصت على أن يكون "وطناً نهائياً لجميع أبنائه" لكنه لم يكن كذلك لأن فئة من ابنائه ما زالت تتطلع إلى ما وراء الحدود ولا تعتبره نهائياً، ونصت أيضاً على أن يكون واحداً أرضاً وشعباً ومؤسسات" وإذا به في الواقع ليس كذلك. ونصت هذه المبادئ على ان يكون لبنان "جمهورية ديموقراطية برلمانية تقوم على العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين بدون تمايز ولا تفضيل" إلا أنه لم يكن كذلك، فالجمهورية لم تعد ديموقراطية برلمانية ولا العدالة الاجتماعية تحققت ولا المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين، بل كان تمايز وتفضيل في ما بينهم، ناس تحت القانون وناس فوقه، ناس يحاكمهم القضاء وناس يتمردون ويتهربون من المحاكمة وهم في ملاذات تحميهم، ولا كان الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية لأن الانتخابات النيابية جرت على أساس قوانين غير عادلة وغير متوازنة، ورؤساء الجمهورية كانوا من صنع الخارج وكذلك تشكيل الحكومات، ولا كان فصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها، بل كان تدخّل سلطة في شؤون سلطة أخرى، ولا قام توازن وتعاون في ما بينها، ولا تحقق الانماء المتوازن للمناطق ولا تم العمل على تحقيق إصلاح مالي واقتصادي واجتماعي، ولم تكن أرض لبنان واحدة لكل اللبنانيين، إذ إن مناطق ظل دخولها ممنوعاً على فئة وحتى على أجهزة الدولة، فساد فيها حكم الدويلة أو الحكم الذاتي، ولا تشكلت هيئة وطنية مهمتها دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية، ولا اعتمدت الكفاية والاختصاص في الوظائف العامة، ولا ألغي ذكر الطائفة والمذهب في بطاقة الهوية، ولا أقرت اللامركزية الادارية، ولا وضع قانون عادل ومتوازن للانتخابات النيابية يراعي القواعد التي تضمن العيش المشترك بين اللبنانيين وتؤمن صحة التمثيل لشتى فئات الشعب وأجياله، ولا توافر العلم للجميع وجعله إلزامياً في المرحلة الابتدائية على الأقل، ولا أعيد النظر في المناهج التربوية وتطويرها بما يعزز الانتماء والانصهار الوطنيين، إنما حصل العكس إذ إن التنشئة لم تكن وطنية بل مذهبية، ولا تم توحيد الكتاب في مادتي التاريخ والتربية الوطنية. ولم يتحقق أهم ما نص عليه اتفاق الطائف ألا وهو "وضع خطة أمنية مفصّلة مدتها سنة، هدفها بسط سلطة الدولة اللبنانية تدريجاً على كامل الاراضي اللبنانية بواسطة قواتها الذاتية، بل ظل بسط هذه السلطة في حاجة إلى قوات مستعارة، ولم يقم تنسيق وتعاون صادقان بين لبنان وسوريا كما جسدته اتفاقات في شتى المجالات. لكن سوريا وهي الدولة القوية لم تحترم هذه الاتفاقات ورفضت ترسيم الحدود بين البلدين لمنع التسلل والتهريب عبرها ولا سيما السلاح والمسلحين، ولا لبنان وهو الدولة الضعيفة استطاع تنفيذها، فكان أن أصبحت هذه الحدود مفتوحة لكل تسلل ولكل مسلح ولكل مهرب اسلحة اشتعلت الحرب في سوريا، ولا استطاع لبنان ان يطبق سياسة النأي بالنفس عما يجري حوله ولا سيما في سوريا كي يحمي نفسه من تداعياتها.
لذلك فلا خروج من تداعيات الحرب السورية إلا إذا اتفق الزعماء اللبنانيون على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم على الساسة الواجب انتهاجها حيال سوريا حتى إذا ما صار الاتفاق عليها يسهل عندئذ تشكيل حكومة وانتخاب رئيس للجمهورية واجراء انتخابات نيابية. أما إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق على هذه السياسة، فلا حكومة وحدة وطنية، ولا اي شكل من أشكال الحكومات يستطيع تجنيب لبنان تداعيات الحرب السورية، ولن يكون حتى في استطاعة رئيس جديد للجمهورية إنقاذ لبنان مما هو فيه، ولا تسليح الجيش ليصبح قوياً في استطاعته ذلك أيضاً لأن الجيش القوي يحتاج ليقوم بمهماته الصعبة الى دولة قوية، وهذه الدولة لن يكون لها وجود مع انتشار السلاح خارجها واشتداد الخلاف على سياستها الداخلية والخارجية. وما لم يتحقق وفاق وحتى صحيح وصادق فلن تكون حكومة تحكم بل محكومة ولا رئيس جمهورية يستطيع إخراج لبنان من أزمات مستعصية ويكون بطل حلول، بل مجرد مدير لهذه الأزمات.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم