الأحد - 08 أيلول 2024
close menu

إعلان

هل ما زال ثمّة من يجرؤ على طرح حكومة الأمر الواقع بعد انفجار الحارة؟

ابراهيم بيرم
ابراهيم بيرم
A+ A-

عندما دوّى انفجار ستاركو وتبين أن ضحيته أحد أركان تيار "المستقبل" الوزير السابق محمد شطح، سرت قناعة فحواها أن ديّة هذا الرجل ستكون حكومة أمر واقع سيوقع مرسومها رئيس الجمهورية ميشال سليمان مستعيناً على قضاء هذه الحاجة التي نظر اليها طويلا، بحرارة الدم المسفوك للتو.


بالفعل تصرف بعض أركان فريق 14 آذار والمحيطين برئيس الجمهورية على أساس أن الاستحقاق الذي طال الحديث عنه، وطال الخصام حوله قد صار في حكم المُقضى أو المنجز الى درجة أن رئيس مجلس النواب نبيه بري أطلق تصريحاً فحواه تحذير أخير من مغبة ما يعد له ويوعد به واصفاً إياه بأنه "دعسة ناقصة" سيكون لها ما لها من تداعيات على نحو بدا معه رئيس المجلس وكأنه صار أمام استحقاق ناجز، وشرع مع فريقه السياسي بالتفكير جدياً في الخيارات العملانية لجبه ما هو آت خصوصاً أن بري الذي حلب دهر السياسة اللبنانية اشطاره تعامل مع الأمر بجدية بالغة انطلاقاً من أمرين: الأول أن جد السياسة قد جد وأن هزالها جد أيضاً ولا يحتمل المزاح، والثاني أنه تناهت الى علمه لائحة بالأسماء المرشحة للحكومة المسماة حيادية، وتبين له أن الاسماء الشيعية المطروحة لم تكن في يوم من الأيام إلا منحازة لمصلحة فريق 14 آذار ولا تخفي خياراتها وقناعاتها. لكن يبدو جلياً أن انفجار حارة حريك أول من أمس قد قلب المعادلة رأساً على عقب، بل فرض وقائع ومعطيات كونت مفعولاً عكسياً تماماً وبينت لمن هم في وارد الحماسة لاستيلاد حكومة الأمر الواقع أن الاقدام على هذا النوع من الحكومات في هذه اللحظات السياسية البالغة الحماوة هو عبارة عن مغامرة ولعب بالنار واستطراداً عبث متعمد بمعادلات سياسية دفعت شرائح وجهات أثماناً باهظة لتكريسها على مدى أكثر من 3 عقود.


قبيل وقت قصير من انفجار الضاحية الأخير كان المقربون من بري يتحدثون عن مناخات وأجواء مصدرها بعبدا تقلل شأن الكلام القائل بأن ولادة حكومة الامر الواقع ستكون خلال أقل من 48 ساعة وتتحلل تماماً من أي مسؤولية عنها.
لكن ذلك على بلاغته بقي بالنسبة الى المحيطين ببري أمراً لا قيمة مادية له، لأن المشكلة الأساسية هي في كيف يفكر البعض وخصوصاً من هم في موقع الرئاسة الاولى، في مثل هذه الخيارات أو يلوح بها في الحد الأدنى، فمثل هذا الامر يشف عن واحد من احتمالات ثلاثة كلها سلبية:
- ان ثمة إصراراً على اغراق البلاد في مزيد من الانقسامات والصراعات، خصوصاً ان خيار حكومة المرسوم لن يكون إلاّ في هذا الاطار ويخدم مثل هذا الاحتمال.
- ان ثمة انجراراً في لعبة الذين يريدون أن يمضوا بالبلاد قدماً في احتمالات التفجير خدمة لحسابات اقليمية.
- ان هناك من يريد فرض معادلات ومعايير جديدة في اللعبة السياسية تطيح بتقاليد راسخة وتحل مكانها تقاليد وأعرافاً أخرى مختلفة تماماً، خصوصاً على مستوى تأليف الحكومات، بحيث تصير إمرة التأليف أولاً وأخيراً بيد شخص أو اثنين دون الأخذ بتوجهات الكتل المعنية ورؤاها، وكأن المراد احداث انقلاب سياسي متكامل يغلّب جهة على أخرى بصرف النظر عن الأثمان المحتملة والنتائج المترتبة في اعادة مكرورة لتجربة الرئيس أمين الجميّل بعيد عام الاجتياح الاسرائيلي في 1982 مع الاحتفاظ بالفوارق والمكونات.
ومع ان ثمة في فريق 8 آذار من لا يزال تمتلكه الخشية من ألا يكون هذا "السيناريو" البالغ السلبية قد انطوت صفحته نهائياً لدى البعض وهو ينتظر لحظة مواراة ضحايا الانفجار الاخير وقبل أن يدوي الانفجار التالي ليمرر ما كان يلوح به على أساس انه الخيار الذي لا بد منه والإجراء الذي لا محيد عنه، لكي ينهي فترة ولايته الرئاسية.
الا انه في مقابل ذلك يبرز من يعتبر ان انفجار الضاحية الاخير كرس حزمة وقائع ومعطيات سياسية وأمنية عنيدة لا يمكن ضرب الصفح عن مترتباتها وتداعياتها خصوصاً عند "حزب الله" والفريق السياسي العريض الذي يندرج تحت لوائه، وأبرزها:
- ان الامور بلغت حداً لا يمكن إلا الحسم معه فإما التفاهم على حكومة سياسية جامعة يتمثل فيها الجميع بحسب الاحجام في مجلس النواب، أو الذهاب نحو الخراب، إذا ما سار البعض في الخيار الحكومي الآخر الذي يعد به.
- ان لعبة السيارات المفخخة قد تكررت على نحو يصير معه الكلام عن انه رد فعل على تورط "حزب الله" في الميدان السوري بمثابة تسويغ وتشريع وتغطية للجناة وتهيئة المناخات اللازمة لمزيد من هذا النوع من الممارسات والاعمال الحربية العدائية وهو ما يفترض بالتالي جملة ردود تبارح المألوف، وتبرر الاستعداد والتحضر لمرحلة مختلفة المعايير والمقاييس والخطابات السياسية واستطراداً الخيارات.
- وفي كل الحالات صار فريق 8 آذار يعتبر ان طرح حكومة الامر الواقع بعيد ضرب الارهاب والتكفير والتشدد ضربته، هو نوع من تبادل الادوار والتكامل، وصولاً الى هدف واحد هو وضع الفريق الآخر امام خيارين احلاهما مر: اما القبول بمثل هذا النوع من الحكومات وما يندرج تحته ويبنى عليه، واما الاستعداد لتلقي المزيد من عمليات الارهاب في اماكن ومواضع شتى، وهو ما يعني أولاً وأخيراً أن اصحاب هذه الرؤية انما يعلنون الحرب على الفريق الآخر.
- ان "حزب الله" وحلفاءه باتوا يقتربون أكثر من أي وقت مضى من قناعة فحواها ان فريق 14 آذار قد دخل في مواجهة عنوانها العريض اخضاع الفريق الآخر عبر ابقائه في حالة دفاع دائم، فإذا ما حدث حادث لأحد أركان هذا الفريق أو في منطقة يشكل فيها الثقل الاساسي، فالمتهم مباشرة ومن دون أي انتظار هو "حزب الله" على غرار ما حصل في اعقاب اغتيال الوزير شطح، وإذا ما حصل انفجار في مناطق محسوبة على "حزب الله" يحمّل هذا الفريق الحزب المسؤولية والتبعة لأنه انزلق الى الميدان السوري كما ظهر في خطاب اركان هذا الفريق في اعقاب الانفجار الاخير والانفجارات الاخرى، في تناسٍ متعمد ان الارهاب والتشدد بدأ يركز قواعده ويمد خيوطه الى الساحة اللبنانية منذ أكثر من عقد من الزمن.
وفي كل الاحوال تدل المؤشرات على ان الساحة اللبنانية قد دخلت غمار التجربة الصعبة.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم