الأحد - 08 أيلول 2024
close menu

إعلان

الله يسامح... الأبونا!!

نبيل بومنصف
نبيل بومنصف
A+ A-

كادت مكتبة "السائح" ترقى في استشهادها الى مصاف ضحية من ضحايا الارهاب الجوال فأدمعت عيون على حرقها بأبشع مما نال من ثاني كبريات المدن اللبنانية وربما بما يوازي محنتها المزمنة. ولا غرابة في غضب هو الحد الادنى الذي يتملك اللبنانيون وهم يعاينون واقعاً يشد بهم الى الانحدار بقوة الى قعر القعر.


في عز الحرب الاهلية التي شهدت صنوفاً من جاهليات العنف الطائفي والمجتمعي لم يبلغ الامر مرة هذا الدرك من الانحطاط في استهداف مجتمعي – ثقافي. حتى لنخال المحترم الابونا ابرهيم سروج كأنه اصيب بصدمة العمر لفرط ما أمعن حارقو مكتبته التاريخية في إحراق قلبه وجنى هذا التراث الذي لا تعوضه حتى هبة طرابلس كلها ومعها كل لبنان في غضبة على الانحطاط الجاهلي الاسود. لوهلة نخال الابونا بقسمات وجهه الحزين يجسدنا جميعاً، نحن الذين لا نزال نظن ان لبنان الذي كان لا يزال عصياً على هذا الوباء الزاحف. لكأن الابونا ارتكب خطأ العمر اذ فاته ان مكتبته باتت الآن تحمل اسمها فعلاً وآن الاوان لنهاية الرحلة. هي مكتبة "السائح" الذي يقصد الذاكرة والثقافة والانفتاح ولكن يُراد لطرابلس محو تاريخها وثقافتها وتراثها فكيف يبقى شاهد حيّ على ذلك؟ وكيف لا يجري افهام الابونا بالنار انه حان الوقت لانهاء سياحة من هذا الطراز الذي يرفع اسم طرابلس ورمزيتها ويقول ان ما تتعرض له المدينة هو عارض زائل؟
ليست مسألة تعرض طائفي بغيض. هي أخطر بكثير بما يرقى الى هجوم على حضارة طرابلس بمسلميها قبل مسيحييها وأرثوذكسييها تحديداً. حين هوجم متحف بغداد ونهب كانت النهاية المفجعة للعراق وليس الغزو الاميركي نفسه لأن الوباء تحكم بالعراق وهاكم ما يحصل فيه اليوم. حين أفرغت معلولا وهجر رهبانها وراهباتها استحق العالم معنى تدمير سوريا على رغم ان الدمار اللاحق بمدنها الكبرى التاريخية هو اشد فداحة وهولاً ويرقى الى كارثة لم يعرف بلد مثيلاً لها.
المعالم الحضارية والاثرية والثقافية، هي الشواهد على الدين الحقيقي وليس الطائفة والمذهب حين يغدوان متاريس لسفك الدماء باسم الدين. ولذا ترانا ننظر الى المحترم الجريح، الاب سروج كأنه يختصرنا جميعاً في محنته ومحنة مكتبته ورمزيتها.
اما هبة الغضب المشكورة التي اشعلتها نيران جاهلية في هذه المكتبة فلن تكون كافية ولا صادمة بالمقدار اللازم لمنع الوباء من ان يتمادى ويضرب مرة اخرى. هذا المحترم اختير ضحية بالامس عنواناً لهجمة انحطاط تستهدف طرابلس كلها تماماً كما تتربص بها هجمة استباحة امنية اضافية. لا تدعونا نقول "الله يسامح الابونا" لأنه اخطأ في رهان عمره.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم