في أعقاب الاحتجاجات الاجتماعية الواسعة للإيرانيين والتي استمرت خمسة أشهر عام 2022، بعد وفاة الشابة مهسا أميني في مركز للشرطة على خلفية عدم التقيد بالحجاب الرسمي، تغير شكل ارتداء اللباس والحجاب لدى قطاع كبير من النساء والفتيات في شكل ملموس. ففي المدن الكبرى والأماكن والمساحات العامة، تُحجم الفتيات والنساء عن وضع غطاء الرأس، ويرتدين ملابس أكثر تحرراً. وتجلس الفتيات بشعر مسترسل، خلف قائد دراجة نارية في شوارع المدينة. وفي السيارات، لا ترتدي الكثير من النساء غطاء الرأس.
ورغم أن الشرطة توقف السيارات المخالفة وتحرر غرامة مالية لها، لا يزال النضال المدني في إيران مستمراً، بحيث يمكن القول إن لباس قطاع واسع من النساء الإيرانيات في الأماكن العامة، بات يختلف كلياً عنه في الأعوام التي سبقت عام 2022، وإن يكن ثمة نساء وفتيات كثيرات في إيران، لا سيما في المدن الصغيرة والقرى، ما زلن يتقيدن بالحجاب كالسابق عملاً بالشريعة الإسلامية وامتثالاً للتقاليد الاجتماعية.
ودفع الوضع الجديد الأجهزة المناصرة للحجاب الإلزامي إلى تبني قانون يقضي بمكافحة السفور بكل الإمكانات الإعلامية والقضائية والعسكرية والشرطية والدعائية والمالية، وبأشد العقوبات. وأقر مجلس الشورى الإيراني في خاتمة المطاف، قانوناً بشأن الحجاب صوّت لمصلحته 185نائباً من أصل 290، لقي منذ ذلك الحين معارضة واسعة النطاق. وبعد 15 شهراً، أيّد مجلس صيانة الدستور الذي يتولى البت في قرارات البرلمان هذا القانون وتقرر وضعه موضع التطبيق في البلاد لمدة ثلاث سنوات بصورة تجريبية. ووفقاً للدستور، فإن تطبيق هذا القانون بحاجة إلى مصادقة من رئيس الجمهورية، غير أن الرئيس مسعود بزشكيان، امتنع حتى الآن عن ذلك باعتبار أنه غير قابل للتطبيق. وأعلن رئيس مجلس الشورى محمد باقر قاليباف أن هذا القانون، ورغم عدم إبلاغه من جانب رئيس الجمهورية، يمكن أن يدخل حيّز التنفيذ اعتباراً من 13 كانون الأول (ديسمبر).
ويتضمن القانون غرامات مالية قاسية ومنع السفر إلى الخارج وقيوداً اجتماعية هائلة كعقوبات، والأكثر إثارة للجدل، هو أن بوسع الأجانب الحاملين تصاريح الإقامة الرسمية في إيران وتحت غطاء القوات العسكرية والشرطة، تنبيه النساء الإيرانيات لجهة مراعاة الحجاب.
وأثار محتوى القانون ردود فعل واسعة وحادة في المجتمع الإيراني، وأبدى الكثير من المسؤولين الحكوميين ورجال القانون والمثقفين والصحافيين والإعلاميين والمدافعين عن حقوق المرأة وأساتذة الجامعات، وحتى رجال الدين الحداثيين، والمواطنين العاديين، معارضتهم لهذا القانون في مواقع التواصل الاجتماعي، ودعوا الموافقين عليه إلى المناظرة.
ويرى معارضو قانون الحجاب:
أولاً، أن هذا القانون يضع الجماهير مجدداً في مواجهة مع النظام، ويؤدي إلى توترات اجتماعية، لأنه يتعارض ونمط حياة غالبية الشعب الإيراني؛
ثانياً، مع وجود العديد من المشاكل الاقتصادية في إيران، ليس ضرورياً طرحه، كما أنه لا يقع في سلم أولويات قضايا المجتمع؛
ثالثاً، أن الحجاب هو مسألة عقائدية، ولا يمكن تعميمه بالقوة والغرامات المالية والسجن، والإجبار يؤدي إلى عزوف الجيل الصاعد عن الدين؛
رابعاً، أن هذا القانون يتجاهل حقوق المرأة وحرياتها، وينظر إليها كجنس من درجة ثانية؛
خامساً، أن هذا القانون، مثله مثل قانون حظر استخدام صحون الأقمار الاصطناعية، لا يمكن تطبيقه، وهو ما يؤدي إلى تقويض السلطة التشريعية.
ولم يكتفِ معارضو قانون الحجاب بهذا القدر، بل إن أشخاصاً، بمن فيهم الرئيس السابق للبرلمان علي لاريجاني ورئيسة جبهة الإصلاحات أذر منصوري وأمين عاصمة طهران السابق غلام حسين كرباسجي ووزير السكن السابق عباس أخوندي وعدد من رجال القانون، دعوا رئيس الجمهورية إلى التدخل وناشدوا مرشد الجمهورية آية الله علي خامنئي إحالة هذا القانون، بوصفه موضوعاً مختلفاً عليه بين السلطتين التنفيذية والتشريعة، إلى مجمع تشخيص مصلحة النظام أو المجلس الأعلى للأمن القومي أو مجلس تسوية الخلافات بين السلطات. وستظهر الأيام المقبلة، هل سيستفيد مسعود بزشكيان من هذه الإمكانية لنقض قرار البرلمان هذا، وإلى جانب أي طرف سيقف خامنئي في هذا الخلاف؟