"لم أفز بهذه الانتخابات ولكنّني لن أتخلّى عن الطاقة التي حرّكت هذه الحملة الانتخابية ولن نتخلى أبداً عن النضال من أجل مستقبلنا"... هذه أبرز عبارات كامالا هاريس في خطاب الهزيمة أمام منافسها، الرئيس العائد إلى البيت الأبيض دونالد ترامب.
صفحة انتخابات 2024 طوتها هاريس بتهنئة ترامب. منافسة متقاربة بحسب استطلاعات الرأي كذّبتها نتائج صناديق الاقتراع فحكَم الشعب الأميركي بعودة كاسحة لترامب، وبأرقام كبيرة. الديموقراطيون أمام موجة حمراء قادها "الرئيس المُدان"، وبالطبع هم في صدمة وانتكاسة...
المحاسبة والمراجعة تبدآن فعلياً مع تسلّم ترامب رسمياً كرسي "الحلم الأميركي" للمرّة الثانية في كانون الثاني (يناير)، حينها تكون هاريس سلّمت صلاحياتها، وجو بايدن سلّم مفاتيح البيت الأبيض. وما بين سطور الاتّهامات والنتائج والتحاليل، ستبقى هاريس وصدى كلمات خطابها الأخير كمرشحّة في أروقة المكتب البيضاوي.
خطاب برسائل!
"يجب أن نتقبّل نتائج الانتخابات"، بهذه الجملة أقرّت هاريس بخسارتها بعد صمت سبّبته موجة الجمهوريين خاصّة في الولايات المتأرجحة التي كانت إحدى أهم نقاط الفوز. وقالت إن "احترام نتائج الانتخابات هو ما يميّز الديموقراطية عن الملكية أو الاستبداد"، لعلّها استحضرت رفض ترامب قبول هزيمته أمام بايدن عام 2020 فكانت رسالته الأولى بعد التهنئة! ووعدت بالتعاون الكامل والمشاركة لتحقيق انتقال سلمي للسلطة.
"لن أتخلّى عن الكفاح من أجل الحرّية والعدالة. لن أتخلى أبداً عن الكفاح من أجل المستقبل. لن نتخلى أبداً عن النضال من أجل الديموقراطية وسيادة القانون. أتعهّد بمواصلة النضال من أجل القضايا التي حرّكت هذه الحملة، ومنها حقوق المرأة ومكافحة العنف المسلّح والنضال من أجل الكرامة التي يستحقّها الجميع". فـ"النضال والكفاح" رسالتها الثانية: دوري لم ينتهِ.
تفتح الرسالة الثالثة أبواب التساؤلات ولو أن من المبكر جدّاً للوصول إليها. قالت هاريس في ختام خطابها: "سنواصل خوض هذه المعركة (النضال والكفاح) في صناديق الاقتراع، وفي المحاكم وفي الساحة العامة". فكانت رسالتها بالمباشر: معركتي لم تنتهِ!
فمن أنهى معركتها الأولى إذاً؟
في 21 تموز (يوليو) 2024، أعلن بايدن (81 عاماً) انسحابه من انتخابات الرئاسة بعد سلسلة هفوات توّجها بمناظرة كارثية أمام ترامب؛ فتراجع وأعلن دعم هاريس لمنصب الرئيس.
بعد أن كان "منقذ أميركا" بالنسبة للديموقراطيين عام 2020، تحوّل بايدن إلى رئيس ضعيف فبتراجعه متأخراً عن ولاية ثانية، لم يمنح هاريس التي كانت خيار حزبها رسمياً في 21 آب (أغسطس)، إلا حوالى 100 يوم للمعركة في وقت كان ترامب يستفيد من 4 سنوات حكمه وخسارته ليضمن فوزه بـ4 سنوات جديدة.
نقل موقع "بوليتيكو" عن مساعدين لهاريس قولهم إنّه "كان على بايدن الانسحاب مبكراً ما يسمح لنا بإجراء انتخابات تمهيدية تفوز بها هاريس، فهي قامت بأفضل حملة انتخابية لكن بايدن كان السبب الوحيد وراء الهزيمة"، مضيفين أن "الزخم الذي بنته هاريس لم يتحقّق فهي لم تنجح قط في دفن شبح بايدن بشكل كافٍ، الأمر الذي أعاق بشدّة قدرتها على إقناع الناخبين بفكرة أن ترشيحها هو الذي سيقلب الصفحة".
في تقرير آخر عبر الموقع، ذكر أن "قوة الحملات الانتخابية لهاريس ضعفت بمرور الوقت في مقابل قوّة الفريق الجمهوري، وداخل حملة هاريس نفسها كان بعض المسؤولين يحذّرون من أن مهمّتهم لم تكن متأخّرة فحسب، بل كانت تُدار بشكل سيئ".
الانفصال عنه...
كانت أبرز خطواتها السيئة لهاريس يوم قالت في البرنامج الحواري الصباحي "The View" إنّه "لا يوجد شيء يخطر ببالي" عندما سُئلت "هل كنت ستفعلين شيئاً مختلفاً عن بايدن؟".
في هذا الجواب، ازداد استياء الناخبين أكثر بعد انخداعهم بإخفاء وتجاهل وضع بايدن، والطريقة التي عُيّنت هاريس كبديل له من دون أي منافسة.
في مقال للكاتب مايكل هيرش في مجلة "فورين أفيرز"، اعتبر أن "هاريس فشلت في إيجاد طريقة رشيقة سياسياً لإبعاد نفسها عن رئيسها الذي لا يحظى بشعبية، فأداء إدارة بايدن كان ضعيفاً إذ يعتقد ثلثا الناخبين أو أكثر أن الأمّة كانت على المسار الخطأ، وكان هذا ميراثاً استحال على هاريس التحرّر من ثقله"، وأبرز ملفات هذا الثقل داخلياً ملف الهجرة وخارجياً حرب غزة.
بإلقائه اللوم على بايدن، رأى أحد مساعدي هاريس أن "حملة نائبة الرئيس محكوم عليها بالفشل منذ البداية بسبب ولائها للرئيس غير الشعبي. كان بإمكان الديموقراطيين الفوز بشخص انفصل عنه وعرض سياسات مختلفة وقدّم نفسه كمرشّح للتغيير".
مطبّات طريق الرئاسة...
من الواضح أن درب الرئاسة لم تكن سالكة تماماً أمام هاريس، أبرز أسبابها حملتها القصيرة فكانت مرشّحة "غير معروفة" أمام الناخبين، إذا صح التعبير، مقارنة بخصمها.
مع ذلك، استغرب كثيرون قرار هاريس باختيار حاكم ولاية مينيسوتا تيم والز نائباً لها بدلاً من حاكم ولاية بنسلفانيا جوش شابيرو، إذ كان يُعتبر خياراً أقوى خاصّة بالنظر إلى نفوذه السياسي في ولاية حاسمة ومتأرجحة مثل بنسلفانيا. وفق شبكة "سي أن أن"، "أحبّت هاريس والز وتصريحاته وتواضعه والطريقة التي كان محترماً بها تجاه أي شيء كانت ستحدّده له الوظيفة".
في قلب حملتها القصيرة، لم تستطع هاريس تقديم حجج ومواقف واضحة تجاه قضايا الناخبين الأساسية كالاقتصاد والحدود والحروب الخارجية. فكان ارتفاع التضخّم والمخاوف بشأن الهجرة من القضايا الرئيسية التي رجّحت فوز ترامب إذ أشارت استطلاعات الرأي إلى أن غالبية الناخبين يثقون في ترامب أكثر عندما يتعلّق الأمر بالتعامل مع الاقتصاد.
وفق هيرش، "فشلت هاريس وحزبها في استعادة ثقة الطبقة العاملة، التي تحوّلت نحو ترامب بشكل كبير، ما جعل من الصعب على الحزب الديموقراطي استعادة زمام المبادرة. وفشلت هاريس أيضاً في تقديم رسالة متماسكة حول كيف أنّها ستكون أفضل من ترامب، بعد أن أمضت الكثير من الوقت في القول إن ترامب غير لائق للرئاسة".
وأضاف: "على الرغم من تغلّبها على ترامب في مناظرتهما الوحيدة في 10 أيلول (سبتمر)، وجمع أكثر من مليار دولار من التبرّعات في 3 أشهر فقط -وهو رقم قياسي جديد- تعثّرت هاريس عندما انبرت لتقديم ملخّص لجدول أعمالها بشأن القضايا الحرجة مثل الاقتصاد والهجرة".
وفق "ذا تايمز" البريطانية، "لم تكن هزيمة هاريس واضحة جغرافياً فحسب بل أيضاً ديموغرافياً إذ لم تكن هناك زيادة في عدد النساء المتضامنات مع دفاع هاريس عن حقوق الإجهاض بحسب ما توقّعت استطلاعات رأي عدّة، ففضّلت النساء البيض، أكبر مجموعة من الناخبين من حيث الجنس والعرق، ترامب بنسبة 52 إلى 47%، وفقاً لاستطلاع رأي قناة أن بي سي نيوز".
في الموازاة، اعتبر بعض المحلّلين أن عرق هاريس وجنسها لعبا دوراً محورياً في هزيمتها. وفي هذا السياق، قال براد ناتش، الناشط الديموقراطي الذي شارك في الحملة في مقاطعة نورثامبتون بولاية بنسلفانيا لـ"ذا تايمز": "تُظهر لنا هذه النتيجة أن أميركا ليست مستعدّة حقّاً لامرأة، وليست مستعدّة لامرأة ملوّنة، لتكون رئيسة".
ترامب... "المطب الأكبر"
اختصر الخبير الجمهوري في استطلاعات الرأي فرانك لونتز انتكاسة هاريس، بحسب ما نقلت "بي بي سي"، بأنّها خسرت هذه الانتخابات "عندما تحوّلت للتركيز بشكل شبه حصري على مهاجمة ترامب. يعرف الناخبون بالفعل كل شيء عن ترامب - لكنّهم ما زالوا يريدون معرفة المزيد عن خطط هاريس للساعة الأولى واليوم الأول والشهر الأول والسنة الأولى من إدارتها".
يقول هيرش: "أمضى ترامب سنوات طويلة في الدعاية لنفسه بحملات التضليل المركّز والسخرية التي يتقنها من هاريس (منخفضة الذكاء، كامالا المجنونة، الرفيقة كامالا). وحتّى الجمهور تعوّد على تدفّق الأخبار السلبية عنه، لدرجة أنّه لا يبدو أن اتّهامه بـ91 تهمة جنائية أدين بـ34 منها، أو أنّه تمت مساءلته برلمانياً مرّتين، أصبحت ذات أهمية".
والأهم، استفاد ترامب من عامل ازدياد التعاطف معه بعد محاولة الاغتيال الأولى التي تعرّض لها يوم 13 تموز في ولاية بنسلفانيا، والمحاولة الثانية يوم 29 أيلول.
مع إقفال مرحلة الانتخابات، يبرز مرشّحون ديموقراطيون محتملون للانتخابات بعد 4 سنوات، ولو كان الوقت باكراً، أبرزهم حاكمة ولاية ميشيغان غريتشن ويتمر، حاكم ولاية كاليفورنيا غافين نيوسوم، حاكم ولاية بنسلفانيا جوش شابيرو، حاكم ولاية ماريلاند ويس مور، وزير النقل بيت بوتيغيغ. على رغم خسارتها إلا أنّ هذه التراكمات ستشكّل خبرة هاريس في المستقبل، فهل كان خطاب الهزيمة لهاريس أو خطاب معركتها الفعلية عام 2028؟