تشكل الأزمة الاقتصادية والتحديات المالية التونسية عقبة قوية خلال فترة الولاية الثانية للرئيس قيس سعيد، عقب فوزه بأغلبية ساحقة من الجولة الأولى في الانتخابات الرئاسية، ليصبح بذلك رئيساً لتونس لفترة رئاسية ثانية تمتد لخمس سنوات.
وتخوض تونس أزمة اقتصادية تتمثل في تفاقم عجز الموازنة، والتراجع المستمر لقيمة العملة المحلية أمام الدولار، بالإضافة إلى القفزات المستمرة على صعيد معدلات التضخم وإرتفاع مستوى الأسعار وأخيراً معدلات البطالة.
وعلى الرغم من اعتماد الدولة التونسية خلال الفترة الأولى للرئيس التونسي المنتخب قيس سعيد، على سياسة التعويل على الذات ومحاولات توفير عائدات مالية لخزينة الدولة وتحسين الوضع الاقتصادي للبلاد، وذلك عبر إدماج العاملين في القطاع الموازي ومقاومة التهرب الضريبي والحصول على تمويلات مباشرة من البنك المركزي، إلا أن هذه السياسة لم تثبت نجاحها بالشكل الكافي في مواجهة التداعيات السلبية والتحديات المالية الكبيرة، وفقاً لتأكيدات خبراء اقتصاديين.
وبالنظر إلى المؤشرات، فقد شهدت تونس تسجيل معدل "التضخم" بمؤشر أسعار "الاستهلاك العائلي" خلال شهر أيلول الماضي (سبتمبر)، مستوى 6.7 بالمائة.
كما كشفت أحدث بيانات صادرة عن البنك المركزي التونسي عن ارتفاع خدمة الدين الخارجي بنسبة 46.6%، لتتحول قيمتها من 7 مليارات دينار (2.3 مليار دولار) في سبتمبر 2023 إلى نحو 10.3 مليار دينار (3.4 مليار دولار) حالياً، وخلال النصف الأول من العام الجاري، ارتفعت نسبة الديون الداخلية من إجمالي الدين العام بشكل كبير لتصل إلى 25%، كما ارتفعت خلال الفترة ذاتها إجمالي الديون الداخلية والخارجية بنسبة 6.5% إلى 42 مليار دولار، وفق بيانات المعهد الوطني للإحصاء في تونس.
تحديات اقتصادية
وتعقيباً على ذلك، يقول أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية رضا الشكندالي في تصريحات خاصة لـ"النهار العربي"، أن الرئيس التونسي قيس سعيد المنتخب لولاية ثانية يواجه تحديات معقدة ومتعددة، تتطلب قرارات جريئة تدعم تحقيق مسار إصلاحي اقتصادي شامل.
أضاف أن المرحلة القادمة تتطلب توجهات اقتصادية تدعم دخول تونس نحو مرحلة تحقيق معدلات نمو وتخطي التداعيات السلبية المؤرقة للمنظومة الاقتصادية خلال الفترات السابقة والمتمثلة في معدلات التضخم العالية والتي تضعف القدرة الشرائية، وذلك في ضوء تراجع قيمة الدينار التونسي.
بالإضافة إلى الافتقار إلى مدخلات العملة الصعبة، بالتزامن مع توجيهات الحكومة التونسية بعدم التعامل مع المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والاعتماد على سياسة التعويل على الذات، والتي تعتبر في الحقيقة غير كافية لمواجهة تراجع العملة المحلية وطبيعة المرحلة الحالية التي تتطلب دفع النمو الاقتصادي عبر تنمية الصادرات.
وأوضح أن مصادر العملة الصعبة ضعيفة بالتزامن مع الإتجاه نحو تسديد الديون الخارجية بدلاً من توريد ما يلزم الاقتصاد التونسي من مواد أساسية وأدوية خاصة الأدوات الأولية الضرورية لعمليات الإنتاج، وهو ما أحدث ركود اقتصادي كبير في تونس.
عهدة الإنجاز
ويستكمل الحديث المحلل التونسي نزار الجليدي في تصريحات خاصة إلى "النهار العربي" مؤكداً على أن الولاية الثانية دائماً ما تمثل عهدة الإنجاز واستكمال خطط التنمية الاقتصادية المستهدفة.
أضاف أن الفترة السابقة شهدت النجاح بصورة مبدئية في مواجهة معدلات التضخم وسط صمود ميزانية الدولة من خلال تعبئة موارد العاملين في الخارج، إلا أن الوضعية الاقتصادية التونسية مازالت ضعيفة تتطلب إلى المزيد.
وأشار إلى أن المرحلة المقبلة تتطلب دعم نمو الاقتصاد التونسي من خلال المبادرات ومخططات التنمية، بالإضافة إلى توسيع نطاق الشركاء الجدد على غرار الصين وروسيا، لدعم وإتاحة خيارات اقتصادية قوية ودعم قدرة الاقتصاد التونسي نحو بدء مراحل النمو ومواجهة تحدياته المختلفة.
وتأكيداً على محاولات الدولة السابقة في مواجهة التحديات الاقتصادية، فقد أظهرت التقديرات الأولية للحسابات القومية بالمعهد الوطني للإحصاء التونسي، أن الناتج المحلي الإجمالي في تونس سجل نمواً بمعدل 1% خلال الربع الثاني من العام الجاري، وذلك مقارنة بنفس الفترة من عام 2023، وسجلت وتيرة النمو خلال الربع الثاني على أساس سنوي تحسناً نسبياً بالمقارنة بتقديرات النمو الاقتصادي الكلي خلال الربع الأول البالغة 0.3%، وفقاً لبيانات المعهد.
توجهات ضرورية
ومع استعراض بيانات نمو نسبية، يعود بالحديث عن أبرز التوجهات ومتطلبات المرحلة الحالية، أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية رضا الشكندالي والذي يؤكد على أهمية وجود سياسات اقتصادية تتضمن دعم وتفعيل العوامل الداعمة لمزيد من تدفقات العملة الصعبة إلى تونس مثل العناية بقطاع الفوسفات والعمل على تجديد الأسطول والآلات والسكك الحديدية، لتسهيل نقله إلى المجمع الكيميائي والموانىء للتصدير إلى الخارج .
بالإضافة إلى تشجيع العاملين بالخارج وتحويلات المهاجرين بفتح حسابات بالعملة الصعبة بالبنوك التونسية خاصة وأن معدلات الفائدة في تونس أعلى من الخارج، وهو ما سيدعم الاقتصاد من تدفقات العملة الأجنبية ومن ثم تماسك العملة المحلية والتحكم في التضخم، بالإضافة إلى وضع سياسات لمواجهة مشاكل السوق الموازي، والنهوض بقطاع الفلاحة.