تواجه خطّة الاتحاد الأوروبي للانتقال إلى التحول نحو الطاقة النظيفة كجزء من "الصفقة الخضراء الأوروبية" التي تهدف إلى إعادة هيكلة النظام الاقتصادي ليكون أكثر استدامة، تحديات عديدة قد تمنع أوروبا من تحقيق هدف الصفقة الخضراء بالوصول إلى 40% من إنتاج الطاقة المتجددة بحلول عام 2030 وتقليل الانبعاثات الكربونية بنسبة 55%.
التحديات التي تواجه الانتقال
تشمل هذه التحديات مجموعة من العوامل الاقتصادية، السياسية، التكنولوجية، والاجتماعية، ويمكن تفصيلها كما يلي:
1- العوامل الاقتصادية:
تحول الاتحاد الأوروبي إلى الطاقة النظيفة يتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية، مثل إنشاء محطات طاقة متجددة، تطوير شبكات كهربائية ذكية، وبناء منشآت لتخزين الطاقة. الكثير من الدول الأوروبية تواجه تحديات في توفير هذه الاستثمارات، خاصة في ظل التباطؤ الاقتصادي الناجم عن أزمات متعددة مثل جائحة كورونا وأزمة الطاقة الحالية.
أحد التحديات الرئيسية هو أن البنية التحتية للطاقة الحالية في الاتحاد الأوروبي مصممة بشكل رئيسي لدعم الوقود الأحفوري. تحويل هذه البنية إلى دعم مصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والشمس يحتاج إلى تطويرات كبيرة في شبكات الكهرباء وتكنولوجيا تخزين الطاقة، وهو أمر يتطلب وقتًا وموارد مالية كبيرة.
من بين التحديات الرئيسية التي تعيق تحقيق هذه الأهداف أيضاً، يذكر رئيس مركز الابتكار والتطوير بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، والخبير البيئي، د. تحسين شعلة في حديثه لـ"النهار"، "تعطيل سلاسل التوريد، وارتفاع معدلات التضخم، والأزمات الجيوسياسية مثل الحرب الروسية الأوكرانية وحرب غزة. هذه الأزمات أدت إلى ارتفاع تكلفة إنتاج الطاقة وزيادة فواتير الطاقة للمستهلكين، مما تسبب في احتجاجات من فئات متعددة، بما في ذلك المزارعين في عدة دول أوروبية، الذين يعتمدون بشكل كبير على الديزل الذي شهد ارتفاعاً حاداً في أسعاره".
الأزمات الجيوسياسية، مثل الحرب الروسية الأوكرانية، تؤثر بشكل مباشر على قطاع الطاقة في الاتحاد الأوروبي. هذه الأزمات تؤدي إلى عدم استقرار إمدادات الطاقة وارتفاع أسعار الوقود، مما يجعل التحول إلى الطاقة النظيفة أكثر صعوبة. إلى جانب ذلك، التباطؤ الاقتصادي وزيادة التضخم تجعل من الصعب على الحكومات الأوروبية الاستثمار بكثافة في الطاقة المتجددة في الوقت الراهن.
صناعة الطاقة النظيفة تعتمد بشكل كبير على المعادن والمواد الخام النادرة مثل الليثيوم، الكوبالت، والنيكل، التي تستخدم في تصنيع البطاريات وتكنولوجيا الطاقة المتجددة. تواجه الدول الأوروبية تحديات في تأمين هذه المواد بسبب احتكار بعض الدول لإنتاجها، وزيادة الطلب العالمي عليها.
2- العوامل الاجتماعية:
رغم الجهود المبذولة للانتقال إلى الطاقة النظيفة، لا يزال الغاز الطبيعي يشكل جزءًا مهمًا من مزيج الطاقة في الاتحاد الأوروبي. يعتمد العديد من الدول الأوروبية على واردات الغاز، خاصة من روسيا، لتلبية احتياجاتها من الطاقة. هذا الاعتماد يجعل الانتقال السريع للطاقة المتجددة أكثر تعقيدًا، خاصة في ظل عدم توفر بدائل فورية ومستدامة.
في بعض الدول الأوروبية، يواجه الانتقال إلى الطاقة النظيفة معارضة من السكان المحليين بسبب تأثيرات بيئية أو اجتماعية لمشاريع الطاقة المتجددة، مثل توربينات الرياح أو محطات الطاقة الشمسية. هناك أيضًا تحفظات سياسية في بعض الدول التي تعتمد بشكل كبير على الصناعات القائمة على الوقود الأحفوري، حيث يخشى البعض من تأثير التحول على الاقتصاد وفرص العمل.
ويلفت الخبير البيئي إلى أنّه "اتفقت دول الاتحاد الأوروبي على تخصيص 100% من عائدات المشاريع الملوثة للكربون لتمويل مشاريع المناخ والطاقة، بالإضافة إلى تخصيص أكثر من 86 مليار يورو لدعم المواطنين والشركات الصغيرة في هذا التحول الأخضر. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه الخطط، يواجه الاتحاد الأوروبي صعوبات عدة في تحقيق أهدافه بسبب ضغوط الاحتجاجات الشعبية، وانتقادات من شركات الطاقة النظيفة للتشريعات الأوروبية، فضلاً عن المخاوف المتعلقة بتأثير الأحزاب اليمينية المعارضة للسياسات المناخية على البرلمان الأوروبي".
التحول السريع إلى الطاقة النظيفة قد يؤدي إلى تأثيرات سلبية على قطاعات اقتصادية معينة تعتمد على الوقود الأحفوري، مما قد يؤدي إلى فقدان فرص عمل وتسريح عمال في بعض الصناعات. هذا قد يخلق مقاومة مجتمعية وسياسية ضد التحول الطاقوي.
بالإضافة إلى ما سبق، هناك تحدٍ آخر يتمثل في تراجع القدرة التنظيمية والسوقية الأوروبية، بحسب شعلة، "حيث يعاني الاتحاد الأوروبي من انخفاض في الاستثمارات في قطاع الطاقة المتجددة، فضلاً عن عدم جاذبية الأطر التنظيمية والسوقية وتباطؤ النمو الاقتصادي، مما قلل من الحوافز الموجهة للشركات المتخصصة في إنتاج الطاقة. كما أن استراتيجية الاستثمار الجغرافي للاتحاد الأوروبي، التي تركز على توجيه استثماراتها في مجال الطاقة الجديدة والمتجددة إلى خارج الاتحاد، وخاصة في الأمريكيتين، تسهم في إبطاء تحقيق الأهداف الداخلية للطاقة الخضراء".
3- العوامل التكنولوجية:
تواجه الطاقة النظيفة تحديات تقنية كبيرة، خاصة فيما يتعلق بتطوير أنظمة تخزين الطاقة على نطاق واسع، مثل البطاريات، التي تسمح بتخزين الطاقة المتجددة الفائضة لاستخدامها لاحقًا. عدم وجود حلول تكنولوجية فعالة ومستدامة لتخزين الطاقة يجعل من الصعب الاعتماد بشكل كامل على مصادر مثل الرياح والشمس التي تكون غير مستقرة.
بين دول الاتحاد الأوروبي، هناك تفاوت كبير في القدرة على التحول إلى الطاقة النظيفة. بعض الدول مثل ألمانيا وفرنسا تمتلك إمكانيات كبيرة واستثمارات متقدمة في هذا المجال، بينما تعاني دول أخرى، خاصة في أوروبا الشرقية، من نقص في الموارد والقدرات التكنولوجية. هذا التفاوت يزيد من صعوبة تحقيق أهداف موحدة للاتحاد بأكمله.
وأشار رئيس مركز الابتكار والتطوير بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، إلى أنّ "بعض دول الاتحاد تعاني من نقص في القدرات والموارد المخصصة لتوليد الطاقة الجديدة والمتجددة، مما يؤثر سلباً على دور هذه المصادر في تلبية احتياجات الطاقة. فعلى سبيل المثال، شهدت دول مثل ألمانيا وإسبانيا والبرتغال وفرنسا وإيطاليا نشاطاً ملحوظاً في إنتاج الطاقة المتجددة في عام 2021، في حين أن دولاً أخرى في وسط أوروبا تتحرك ببطء في هذا المجال، مما يؤدي إلى تباين واضح بين دول الاتحاد. هذا التباين يعيق تحقيق أهداف الاتحاد الأوروبي".
الانتقال إلى الطاقة النظيفة يحتاج إلى تعديلات قانونية وتنظيمية على مستوى الاتحاد الأوروبي وعلى مستوى الدول الأعضاء. هذه التعقيدات البيروقراطية تؤخر تنفيذ مشاريع الطاقة النظيفة، وتزيد من صعوبة التوافق على سياسات موحدة لتنظيم هذا القطاع.
في المحصّلة، رغم التحديات الكبيرة التي تواجه الاتحاد الأوروبي في مسيرته نحو الطاقة النظيفة، إلا أن الاتحاد يبذل جهودًا كبيرة لتخطيها. تحتاج هذه الجهود إلى تضافر الاستثمارات التكنولوجية، الإرادة السياسية، والتعاون بين الدول الأعضاء لتسريع التحول وضمان تحقيق الأهداف المناخية والاقتصادية في المستقبل.