"قليل بشكل مهين". بهذه العبارة، وصف مفاوضو الدول النامية في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ، المُنعقد في باكو بدولة أذربيجان بمشاركة 198 دولة، العروض التي قدمتها الدول الغنية بشأن تمويل السياسات المناخية خلال العقد المقبل، والتي وصلت إلى 300 مليار دولار، بحسب مسودة المؤتمر التي نشرتها وكالة الصحفة الفرنسية الخميس.
فهل هذا المبلغ كافٍ لتحقيق الحياد المناخي؟ وهل ستقبل الدول النامية المتضررة من تأثيرات البلدان الصناعية السلبية في التغير المناخي بهذا التمويل؟ وما هو التمويل اللازم كي تتكيف الدول النامية مع الآثار المدمرة لتغير المناخ وتزيد من استثماراتها في الطاقات منخفضة الكربون؟
رحلة تمويلات "كوب"
في 12 كانون الأول (ديسمبر) 2015، وقعت الدول الأعضاء في مؤتمر الأطراف "كوب" اتفاق باريس الخاص بالعمل الجماعي لخفض الانبعاثات الكربونية. وفي عام 2020، اتفقت الدول الأعضاء على تمويل مشروعات المناخ الخضراء ومشروعات الطاقة منخفضة الكربون بقيمة 100 مليار دولار.
تحقق هذا الهدف بالفعل في عام 2022، عندما بلغ حجم التمويل المقدم من الدول الغنية 116 مليار دولار، رغم أن الاتفاقية ينتهي سريانها في عام 2025.
وخلال قمة "كوب 29" المنعقدة منذ يوم 11 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري في باكرو، عرضت الدول الغنية المشاركة في المؤتمر زيادة قيمة تمويل المناخ من 100 إلى 200 مليار دولار سنوياً، ما أثار استياء أغلب الدول النامية وجعلهم يشعرون بالإحباط بعد أسبوعين من المفاوضات غير المثمرة.
وخلال الساعات الأولى من اليوم السبت، رفعت الدول الغنية وعلى رأسها الولايات المتحدة قيمة التمويل إلى 300 مليار دولار سنوياً. لكن الدول النامية لا تزال غير راضية، إذ كانت تأمل أن تسدد الدول الغنية تريليون دولار سنوياً لتمويل السياسات المناخية الخضراء في البلدان النامية المتضررة من ممارسات الدول الصناعية الملوثة للبيئة، والتي أدت إلى نزوح الآلاف من الأهالي، وتعرض هذه البلدان لكوارث بيئية متمثلة في أعاصير وعواصف وسيول ما ترتب على ذلك زيادة الفقر ونقص في الوظائف وتراجع معدلات نمو الاقتصاد لديها.
تعليقاً على حجم التمويل المطلوب من الدول النامية، يقول خوان كارلوس مونتيري غوميز، المفاوض البنامي بمؤتمر "كوب 29": "نحن نطلب واحد في المئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، فهل هذا كثير جداً لإنقاذ الأرواح؟"، مشيراً إلى أن الأحد الأدنى للتمويل المطلوب هو 500 مليار دولار سنوياً حتى عام 2030 (أي نصف ما كانت الدول النامية تأمل به).
خبير: التغير المناخي بريء
يقول الدكتور عباس محمد شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية في كلية الدراسات الأفريقية العليا بجامعة القاهرة، لـ"النهار"، إن العالم يستهدف الوصول إلى ارتفاع في درجة الحرارة بمعدل 1.5 درجة مئوية، "وما نشهده اليوم من زيادات في درجات الحرارة تتراوح بين 2.6 و3.1 درجة مئوية في هذا القرن، وهذه الزيادة غير مُقلقة حتى الآن وفق الدراسات البحثية التي تقول إنه لإثبات ظاهرة التغير المناخي، لا بدّ من أن نشهد هذه الظاهرة في منطقة محددة بشكل مستمر لفترة تتراوح بين 30 و50 عاماً، وهذا لم يحدث خلال القرن الأخير".
يضيف شراقي: "ليس التغير المناخي إلا ورقة تفاوض تُلاعب بها الدول النامية نظيرتها الغنية، للحصول على أكبر حصة من كعكة التعويضات جراء تسبب انبعاثات الدول الصناعية المُنتجة للنفط واستخدامها الفحم بمصانعها في تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة".
وبحسبه، بمجرد الاتفاق على التعويضات، سيبدأ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب في إنتاج الطاقة من الفحم النباتي الذي لا يجيد تسويقه بسبب ارتفاع تكلفة نقله، "وستتوسع روسيا والصين، وأوروبا أيضاً، في استخدامه فالقارة العجوز تعاني أزمة نقص في الغاز بعد الصراع الروسي الأوكراني، ولن نشهد دولاً نامية تصدر بياناً واحداً عن التغير المناخي بعد ذلك وستلتزم الصمت مقابل التعويضات، لإن الدول النامية يهمها الأموال التي ستجمعها والدول الغنية يهمها زيادة إنتاجيتها لتلبية احتياجات شعوبها".
لماذا اشتد التوتر في "كوب 29"
تعاني الدول الأوروبية نقصاً في السيولة المالية، خصوصاً بعد جائحة كوفيد-19، ما يحد من قدرتها. ورغم أن القارة العجوز لديها الرغبة في التمويل الجماعي لمشروعات الطاقة الخضراء بالبلدان النامية والحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، إلا أن الدول المنتجة للنفط حذرت صراحة في "كوب 28" من أنها لن تقبل أي نص يستهدف "الوقود الأحفوري".
وراء الستار، تحاول واشنطن وبكين خفض فاتورة تعويضات التغير المناخي للدول النامية، فالصين رفضت تقديم أية التزامات مالية، وترفض باستمرار إعادة التفاوض على قاعدة الأمم المتحدة لعام 1992 التي تنص على أن المسؤولية عن تمويل المناخ تقع على البلدان المتقدمة، بينما هي تصنف نفسها من الدول النامية رغم أن 20% من الطاقة المستخدمة بمصانعها آتية من الفحم.
واشتد التوتر بين الدول الأعضاء في مؤتمر الأطراف "كوب 29" بسبب تمسك البلدان النامية بحقها في الحصول على تعويضات مالية سخية من الدول المتقدمة، وعلى الجانب الآخر ترفض الدول النفطية المساس بالوقود الأحفوري الذي تنتجه وتستخدمه وتصدره، وكذلك ترفض الصين الالتزامات المالية تجاه التغير المناخي، وأوروبا تعاني العجز المالي، ومن المتوقع أن تنتهي جلسات "كوب 29" بنهاية يوم السبت 23 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري بإعلان نتائج المؤتمر والتي تشير إلى حجم تمويل بقيمة تتراوح بين 300 و500 مليار دولار.
خسائر التغير المناخي
ستؤدي التغيرات المناخية إلى تقليص الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنحو 20 في المئة بحلول عام 2050 ما يعادل قرابة الـ38 تريليون دولار، وتوقعت دراسة نشرتها مجلة "نيتشر" في نيسان (أبريل) 2024 احتمالية زيادة التداعيات الاقتصادية الناجمة عن تغير المناخ عشرات تريليونات الدولارات سنوياً بحلول عام 2100.