دبابة مهجورة للجيش السوري في بلدة خان العسل التي دارت فيها اشتباكات بين الجيش والفصائل المسلحة (أ ف ب)
كان تنظيم "داعش" إبان سيطرته على مناطق واسعة في سوريا والعراق بين عامي 2013و2019، أول تنظيم مصنف إرهابياً يسعى لامتلاك سلاح المسيّرات. وقد تمكن من تصنيع طائرات بدائية استخدمها في بعض معاركه بالفعل. وكان لديه طموح لتزويد طائراته بمحرك نفّاث لزيادة سرعتها ومداها، غير أن خساراته الميدانية أجهضت هذا الطموح.
غير أن مجريات معركة "ردع العدوان" التي أطلقتها "هيئة تحرير الشام" في مناطق شمال سوريا، الأربعاء، كشفت عن امتلاك الأخيرة كتيبة كاملة مختصة بإطلاق المسيرات تحمل اسم "كتيبة الشاهين"، لتكون بذلك أول تنظيم مسلح مصنف على قوائم الإرهاب العالمية بموجب قرار من الأمم المتحدة، يمتلك مثل هذا الاختصاص العسكري الذي يعتبر الهاجس الرئيسي لدى معظم جيوش العالم بسبب عدم وجود سلاح فعال مضاد له.
ويثير هذا التطور مخاوف من مدى امتلاك فصائل مسلحة أخرى تنتشر في مناطق واسعة من سوريا، سواء تلك التي تنتمي إلى ما يسمى "الجيش الوطني السوري" الممول من قبل تركيا، أم تلك التي تتبع "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد)، مثل هذه التقنيات العسكرية، وسط تصاعد حالة التوتر في سوريا نتيجة عوامل داخلية وخارجية مختلفة.
ونشرت “إدارة العمليات العسكرية” في اليوم الأول من المعركة، الأربعاء، مقطعاً مصوراً لما سمته “كتائب الشاهين” المسؤولة عن استخدام سلاح المسيّرات خلال العملية، وهذه المرة الأولى تعلن فيها الفصائل العاملة في إدلب بشكل رسمي استخدامها طائرات من دون طيار في أعمال عسكرية هجومية، غير الرصد.
وليست هناك معلومات دقيقة حتى الآن عن مدى تطور المسيرات التي استخدمتها غرفة عمليات "الفتح المبين" بقيادة "هيئة تحرير الشام" في المعركة، غير أن ما اتضح من المقاطع المنشورة أن معظم هذه الطائرات هي من الأنواع التجارية التي جرى تعديلها لتناسب الاستخدام العسكري. بعضها أطلق بدفع أولي من عنصر، وبعضها تم إطلاقه من خلال منصة جاهزة. وكانت وكالة “سبوتنيك” الروسيّة نشرت عام2021 تقريراً يشير إلى أن “هيئة تحرير الشام/ جبهة النصرة” تمكنت من استقدام أكثر من 500 طائرة مسيّرة متوسطة الحجم، عن طريق أحد الوسطاء المحليين استطاع إدخالها إلى المحافظة عبر الحدود التركيّة بالتعاون مع تجّار أتراك متنفذين.
ونشرت بعض المواقع السورية المعارضة خبراً أفاد بتمكّن إحدى مسيرات "شاهين" من تدمير مروحية للجيش السوري في مطار النيرب قبل إقلاعها. ويتداول العديد من النشطاء السوريين المعارضين المقاطع التي تظهر هجمات "شاهين" في مواقع التواصل الاجتماعي تحت شعار "أينما كنتم نصل إليكم".
ورغم أن دخول المسيرات كاختصاص مستقل ضمن التشكيلات العسكرية التي تقودها "هيئة تحرير الشام" يعتبر تطوراً خطيراً يتجاوز الحدود السورية، لا يمكن اعتباره مفاجئاً أو غير متوقع، لا سيما مع ورود معلومات كثيرة خلال السنوات الماضية تفيد بامتلاك الهيئة أنواعاً متطورة من المسيرات. وأصبح هذا الاحتمال وارداً مع الشكوك التي حامت أخيراً حول العلاقة بين "هيئة تحرير الشام" وأوكرانيا وكانت موضع اتهامات من روسيا التي أشارت إلى أن المسيرات تشكل جوهر التعاون بين الطرفين، وكشفت وكالات روسية عن تلقي الهيئة 250 طائرة مسيرة متطورة مقابل إرسال مقاتلين إلى أوكرانيا.
وأعلنت قيادة القوات الروسية في سوريا أكثر من مرة خلال الأعوام السابقة تصديها لأسراب من الطائرات المسيرة التي حاولت استهداف قاعدة حميميم الساحلية، غير أن الأنظار لم تلتفت بجدية إلى خطورة هذا السلاح إلا عند ضرب الكلية العسكرية في حمص في 5 تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي،أي قبل يومين فقط من عملية "طوفان الأقصى"، حيث سقط عشرات الضحايا والمصابين أثناء حفل تخريج ضباط.
ويعتبر مصنع البيضا في ريف اللاذقية أول مصنع للمسيرات في سوريا يجري الكشف عنه في شباط (فبراير) الماضي. ويتبع المصنع لـ"هيئة تحرير الشام" التي أقامته في مبنى مدرسة قرية البيضا. ومعظم المهندسين والخبراء العاملين في المصنع هم من الأيغور (الحزب الإسلامي التركستاني الذي يتكون من جهاديين قدموا من الصين واستوطنوا أرياف اللاذقية وإدلب). ويشرف هؤلاء على تصنيع المسيرات لقاء أجر شهري قد يصل إلى 4000 دولار أميركي. وتربط الحزب الإسلامي التركستاني علاقة تحالف قوية مع "هيئة تحرير الشام"، بل تذهب بعض التسريبات إلى القول بأن قيادة الحزب بايعت أبا محمد الجولاني زعيم الهيئة سراً. وأثناء معاركه مع الفصائل المسلحة في إدلب حارب الحزب الإسلامي التركستاني إلى جانب الجولاني وأنقذه من الهزيمة أكثر من مرة.
وبدأت "هيئة تحرير الشام" منذ عام 2021 تاريخ الصفقة التي تحدثت عنها سبوتنيك، بتدريبِ جيش من قائدي الطائرات المسيّرة والمفخخة بمواد شديدة الانفجار، لتكون قادرة على استهداف تجمعات النظام وأسلحته الثقيلة وغرف عملياته، عبر الانقضاض السريع على هذه الأهداف، وفق تقرير نشره تلفزيون سوريا المعارض في حينه.
ويُعتقد أن الهيئة وصلت إلى مراحل متقدمة من تطوير الطائرات المسيرة التجارية إلى طائرات عسكرية قادرة على حمل متفجرات لضرب مواقع حساسة بشكل فعال، والقيام بعمليات رصد وجمع المعطيات. وأشارت بعض التقارير الإعلامية المعارضة، بعضها منشور الشهر الماضي، إلى أن الهيئة أصبحت تنافس الجيش النظامي في مجال المسيرات، وتسعى لامتلاك قدرات وأسراب متطورة وفعالة عسكرياً، لتكون في المستقبل أداة مهمة في عملياتها العسكرية، وهو ما تبدى خلال المعركة الأخيرة.
وليست "هيئة تحرير الشام" وحدها من اتجهت إلى استخدام المسيرات وتضمينها في برامج تدريباتها العسكرية، بل أن معظم الفصائل المسلحة المنتشرة في سوريا بات لديها مثل هذا الاتجاه، وهوما رصده موقع "عنب بلدي" المعارض في تقرير نشر ح يوم الاثنين وذكر أن فصائل عسكرية في شمال غربي سوريا انتقلت من استخدام المسيرات للرصد إلى تنفيذ هجمات ضد مواقع “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) وقوات النظام السوري.
وظهر استخدام فصائل “الجيش الوطني السوري” المسيرات للمرة الأولى في 20 آب ( أغسطس) الماضي، في صور نشرتها وزارة الدفاع التابعة لـ”الحكومة الموقتة” لتدريبات على المسيرات الانتحارية.