غناء - "مثقفون نون" لمخول قاصوف: وطن في أغنية

نداء عودة

أسطوانة جديدة قدمها "نادي لكل الناس" وحملت عنوان "مثقفون نون"، تجمع أعمال الفنان مخول قاصوف، فكأنها تختصر مراحل من الوطن وأغنيته. تلك المراحل التي عايشها قاصوف حتى يومنا، والأغنية التي تشير الأسطوانة الى إصرار الفنان زياد الرحباني على إعادة صوغها لتسجّل عام 1986. مع ذلك فإن هذه الأغنية التي تبرع في السخرية من المثقفين وانتقادهم، لا تختصر الأسطوانة التي تضمّ ستّ عشرة أغنية من مراحل مختلفة أبرزها الثمانينات، كما تحمل تنوّعاً في هوية تلك الأغاني، من انتقادية وسياسية واجتماعية ووطنية.


تشكل "مثقفون نون" التي ينطبق مضمونها على زمننا هذا، نموذجاً فريداً للأغنية السياسية الإنتقادية بما فيها
من توازن الموسيقى وإيقاعاتها والحوارات الأشبه بالحوارات المسرحية. تقول في بعضها: "مثقفون قلقون، ينظّرون الحزن والجنون، حتى في الأعماق يكذبون، يموتون بالمال يموتون...". ونذهب في الأسطوانة إلى أغنية مماثلة في حملها الإنتقاد السياسي الساخر مثل "شبعنا بقا" التي تتوجّه الى الطائفية السياسية منذ عام 1982 فتتضمّن أصوات المعارك، ويقول بعضها "حطّوا ع قلبك ميّة حزب وطايفة، وشو حملن
تقيل... ويا عين ملاّ جيل...". ونذهب أيضاً إلى نمط شبيه، إنتقادي سياسي، لكنه شعبي يحمل النبض الإجتماعي حيث تجمع أغنية "معلّم طرطور" مخول قاصوف مع سامي حواط غناءَ، وفي لحن إيقاعي سلس يقول بعض الأغنية: "هوّي معلّم هو طرطور، المعلم فوقو طرطور، وين بتخلص هالدوامة، كيف بتوقف كيف بتدور". من ناحية أخرى، نذهب في الأسطوانة إلى نمط غنائي
وطني رومانسي في خطابه ولا يحمل لغة إجتماعية أو سياسية مباشرة مثل أغنية "ريتو القمر" التي يشير مضمونها إلى واقع الفقراء وأحلامهم. وبموسيقى لا تقلّ مستوى عن الشعر الحافل بالصور يقول بعض الأغنية: "ريتو القمر ينزل خبز تنور ع بيوتنا ع حقولنا ويدور". وفي مستوى مماثل من موسيقى حالمة تحمل خليطاً غربياً عربياً نذهب إلى أغان تشكّل قيمة عالية في الأغنية اللبنانية شعراً ولحناً مثل "نزلي جفونك"، "بعدو الوجع"، "ركوة عرب" من كلمات طلال حيدر، "ضلّوا شعرا" من كلمات كمال خير بك، ثمّ "بواب الفرح"، "بسمة قلب" و"شباك الحلى" التي تبدو أغنية لبنانية مميّزة وخاصّة النكهة في خطابها الإنساني. وبالقدر الرومانسي نفسه يضع مخول قاصوف أغنيته الوطنية التي لا تحمل خطاباً مباشراً فتبدو الشهيدة سناء محيدلي من خلال وصفه لها كعروس في أغنية تعود الى العام 1985 وعنوانها "إلى سناء"، ولم تخل الأسطوانة من النفس الثوري القوي الخطاب مثل أغنية "بسمة قلب" التي تعود الى العام 1970.
أتحفنا مخول قاصوف بمجموعة من أعماله التي تحمل كلماته وألحانه، ليمتع أسماعنا بشعر خصب وموسيقى بارعة في مزج نمطين شرقي وغربي وتحمل بصمات موسيقيين كبار، من هنا تستحق أسطوانة "مثقفون نون" أن تشكّل إضافة خاصّة إلى مكتباتنا الموسيقية.