النهار

منبج خلعت الأسود وخلطت الأوراق الإقليمية
A+   A-

منبج ثالث أكبر مدينة بعد قامشلو والحسكة في "روج افا" شمال سوريا خلعت الثوب الاسود بعد أن أعلنت قوات سوريا الديموقراطية المدعومة من التحالف الدولي تحريرها بشكل كامل من تنظيم "داعش" الارهابي في الـ 12 من آب الجاري. بعد اليوم ستختفي مشاهد النحر والصلب والجلد من ساحات منبج، أو كما باتت تعرف بساحات الموت وستختفي معها عناصر الحسبة المتعقبين لأبسط تفاصيل حياة المواطنين، وليس مستبعداً أن تحل محلها عناصر نسائية بزي غربي لإدارة شؤون المرور والأمن في أسواق منبج، كما هي الحال في بقية المناطق التي حرّرتها قوات سوريا الديموقراطية.
إنّ مشاهد التحدي التي أظهرتها نساء منبج بخلع الثوب الأسود وإحراقهن البرقع والتدخين أمام عدسات المراسلين المرافقين لحملة التحرير، عكست مدى الظلم الذي لاقاه الأهالي من التنظيم الارهابي. وعلى الجانب الميداني ذكرت مصادر عسكرية مدى التعاون الذي أبداه سكان تلك المنطقة لقوات سوريا الديموقراطية بتزويد العناصر معلومات عن تمركز عناصر "داعش" وتحركاتها في المنطقة.
وما يميّز تحرير مدينة منبج عن غيرها من المدن في المنطقة الحدودية بين سوريا وتركيا، أنها كانت نقطة استراحة لعناصر "داعش" الأجانب القادمين عبر الحدود التركية، ليتم فرزهم بعد ذلك الى ولايات دولة "داعش" المزعومة حتى سمّيت "لندن الصغيرة" لكثرة العناصر الأجنبية فيها. وتوضح حدة المعارك وطول فترتها التي استمرت أكثر من شهرين واستماتة التنظيم في الدفاع عنها، الأهمية الاستراتيجية للمدينة بالنسبة الى"داعش"، وعلى الصعيد الإقليمي كانت منبج ومناطق غرب الفرات من بين الخطوط الحمر التي أعلنها الرئيس التركي. ويبدو أنّ تحرير المدينة سيتعدى خسارة "داعش" أهم مركز مع العالم الخارجي الى خلط بعض الأوراق الإقليمية التي كانت تراهن على بقاء التنظيم في تلك المنطقة، فالزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى أنقرة يبدو أنها تأتي في هذا السياق، وهو ما تم إعلانه من قبل الطرفين التركي والايراني، والاتفاق على معاداة المشروع الكردي في المنطقة. إنّ اردوغان مستعد للتحالف مع النظام السوري والتغزل به والعودة الى وصف الأسد بـ "الصديق" والتخلي عن أي مجموعات سورية دعمها أكثر من 5 سنوات من عمر الأزمة السورية في سبيل إحباط "المشروع الفيديرالي الديموقراطي في روج آفا- شمال سوريا".
بعد تحرير مدينة منبج يبدو أنّ البلدات القريبة منها كجرابلس والباب وتادف والراعي آخر جيوب "داعش" غرب نهر الفرات ستسقط كأحجار الدومينو، وستواصل قوات سوريا الديموقراطية تقدّمها بخسائر أقل نحو تلك المدن، وهي في حاجة الى تحرير نحو 50 كلم، هي المسافة المتبقية لربط كانتون كوباني بعفرين. وبتحرير تلك المناطق من تنظيم "داعش" ستفرض قوات سوريا الديموقراطية سيطرتها على كامل المنطقة الحدودية بين تركيا وسوريا من مدينة ديرك في أقصى الشمال الشرقي الى مدينة عفرين في أقصى الشمال الغربي، وبذلك يكون "مجلس سوريا الديموقراطية" الذي يضم أغلب مكوّنات المنطقة، الواجهة السياسية لتلك القوات طرف قوي لا يمكن استبعاده من أي مفاوضات تناقش فيها مستقبل سوريا.


صحافي كردي

اقرأ في النهار Premium