النهار

ذكرياتي مع الكبار \r\nكميل أبو صوان- معرفة قصيرة لعمل عميق
ذكرياتي مع الكبار \r\nكميل أبو صوان- معرفة قصيرة لعمل عميق
A+   A-

عندما تعرفت الى كميل أبو صوان وتعددت لقاءاتنا الاجتماعية والجلسات الثقافية، لم اكن أتصور أن نشاطاً فريداً من نوعه سيكون لنا معاً، وتعاونا على حله وبقي أثره ولم يمحه الزمن من ذاكرتي.   

كان الموضوع اجتماعيا وليس مستغرباً أن أغوص به، فكل ما عملت هو كذلك وقد تكثف أثناء الحرب. أما حدوثه في باريس والتعاون الذي حصل من أجله مع كميل أبو صوان، فهنا تكمن الغرابة بلا شك. القصة بدأت في الطائرة حين كنت ذاهبة الى حيث تمت اللقاءات التي تكلمت عليها سابقا.

جلست الى مقعد قرب سيدة تقاربني سناً، ودار حديث بيننا واذ بها عاملة اجتماعية من عائلة الأسعد. تكلمنا في مواضيع الساعة، في اختصاصنا وصعوباتها وما نقوم به من نشاطات في الحقل الاجتماعي. أخبرتها عن أكسوفيل المؤسسة التي كنت قد ساهمت في تأسيسها من وقت ليس ببعيد وهي أخبرتني أنها تعمل مع مراكز الأطفال المشردين في باريس. سألتني ان كان يهمني زيارة تلك المراكز على رغم أنها تختلف عن عملنا مع المعوقين، أجبت بالايجاب إذ أن كل قضايا المجتمع والطفل تنال اهتمامي الشديد. وصلنا الى العاصمة الفرنسية وذهب كل منا الى جهة بعد ما تبادلنا أرقام الهواتف.

أيام قليلة مرت واتصلت بي، فتوجهنا معا الى مركزين للاولاد المشردين. لفتني في تلك المراكز سياسة العمل التي تقضي بعدم تأمين الراحة لنزلائها الا بالحد الأدنى كي لا يعتادوا على البقاء فيها لمدة تزيد عن حاجتهم للتأهيل. ودّعت السيدة الأسعد وعدت ولم أكن أنتظر أن أراها مجددا في المدى القريب، واذ بها تتصل

لتقول لي إن في Pantin في ضواحي باريس مؤسسة ddass المتخصصة في لم شمل الأولاد الأيتام والمتروكين والاهتمام بتربيتهم. هناك أربعون طفلا وولدا، أهلهم من النساء فقط، أقاموا في المنطقة وتحت الخيام لمدة ثم رموا أولادهم في المؤسسة ورحلوا، وهم مسجلون لديهم كلبنانيين.

أضافت السيدة الأسعد أنها ستذهب بصحبة مسؤول من وزارة الشؤون الاجتماعية لحضور اجتماع دعيت اليه لبحث الوضع ومعالجته، كما ودعي أيضا مفتشون من منظمة الأونيسكو في جنيف كي تؤخذ القرارات اللازمة بشأن تلك القضية الشائكة. سألتني ان كنت أستطيع الذهاب معها، بما أن الموضوع يتعلق بأولاد لبنانيين. لم أتردد وذهبنا برفقة مسؤول فرنسي. أذكر جيداً طاولة الاجتماع الكبيرة ومن حولها المفتشين والمسؤولين حيث تم عرض موضوع الأولاد الذين ضاقت بهم المؤسسة الحاضنة بعدما ترك أهلهم المخيم الى مكان مجهول.

تم تقديمي للمجموعة كاختصاصية زائرة من لبنان. أعطيت الكلام لأبدي رأيي بعد أن عرضت القضية بتفاصيلها فبادرت الى طلب لائحة الأسماء كي أطلع على محتواها، وما إن وقع نظري عليها حتى تأكدت تماماً بما كنت أشك به، أي أن الأولاد من غير اللبنانيين. أعلنت الواقع أمام الجميع، فاعترضوا اذ أن هؤلاء كانوا يحملون جوازات سفر لبنانية. أصررت على كلامي منوهة أن جوازاتهم غير صحيحة، وأكدت ذلك استناداً الى أسماء العائلات الواردة وقلت بالحرف الواحد أن اللبناني، لا فرق لأي طائفة انتمى لا يسكن المخيمات من جهة ولا يمكن أن يتخلى عن ولده تحت أي ظروف كانت.

عارضني الجميع بشدة، ولما كان إصراري حاسماً، أخذ بكلامي على أن يرفع تقرير بذلك الى مكتب الأونيسكو في جنيف. تبين لاحقا أنني كنت على حق وان آباء هؤلاء الأولاد يعيشون في أفخم فنادق العاصمة ويتعاطون تهريب السيارات بين بلجيكا وفرنسا.

أوردت هذه الحادثة لأقول إنني التجأت حينها الى كميل أبو صوان وعرضت له الأمر طالبة منه التحرك بسرعة، وفعلاً دعم أقوالي وتابع القضية معي حتى نهايتها.

كميل أبو صوان لم يكن ليألوا جهدا أو يمر بمسألة تهم لبنان من دون أن يمنحها اهتمامه الكامل، أي أنه يلاحق التفاصيل ويدعم ولا يهدأ حتى يصل الى اصلاح ما فسد ويصل بقضايا لبنان المحقة الى خواتيمها.

رحم الله أمثاله من الرجال ومن عرفت من الكبار في ذكرياتي.


اقرأ في النهار Premium