جمال الحديقة يكمن في اختلاف زهورها وأشكالها، والأطعمة المغذيّة تتنوّع باختلاف فوائدها، والملابس الجميلة تتباين في تفاوت ألوانها. هذا الاختلاف يجعل التنوّع يبدو كأنّه لوحة فنية تمازجت فيها الألوان والرسوم وتناسقت فأثمرت لوحة فريدة. الانسان نفسه خاضع لقانون الاختلاف فتختلف أفكاره وقناعاته ورغباته خلال رحلة حياته. فإذا كان الانسان يمتلك الكثير من الاختلافات والتناقضات في داخله، فلماذا لا يقبل الاختلاف مع الاخر؟
كنت أسال نفسي دائمًا، لماذا لا تخلو أحاديث الرفاق من انتقاد من هو قصير، والسخرية ممن هو سمين، وعدم تقبّل من اختلف عنهم في اللون والعادات والتقاليد وطرق التفكير. فجارتنا فتاة سمراء البشرة انتقلت الى بنايتنا حديثًا، كثيرا ما أسمع همسات الهمز واللمز عنها والبعض يرفض اللعب معها. وأيضًا في حيّنا فتاة شقراء كان الرفاق يتجنبونها ويعاملونها بتكبّر لأنها "لاجئة" اضطرّتها ظروف الحرب للهجرة الى بلدنا. فلا السّمراء سلمت من سهام النّقد ولا الشّقراء.
وأكثر ما يؤلمني الأشخاص من ذوي الحاجات الخاصة الذين لم يسلموا من هذا الاذى، وهو الاذى النفسي. فكل إنسان لديه نقص أو مشكلة يمكن أن تكون مرئيّة أو غير مرئية، فلا بدّ أن نكنّ لهم الاحترام جميعا لأننا كلنا بشر. ولا بدّ أن تتجلّى مظاهر هذا الاحترام في حسن معاملتهم ودمجهم في المجتمع ومن خلال تقبّلهم واحترامهم وتوفير سبل الراحة والأمان في شتّى الأماكن: المدارس، الشّوارع والأندية... فهذا هو الاحترام الحقيقيّ لهم.
أمّا إذا سمعك أحد تتكلّم بغير لهجته لمجرد أنك من مدينة أخرى، عندها لا بدّ أن تكون رحب الصدر، لأنك ستضطرّ لسماع النكات والسخريات على المصطلحات "الغريبة" بالنسبة لهم.
في مجتمعاتنا نتقبل الآخر كما نريد نحن وليس كما هو، وقد نجعل الآخر عدوّا لمجرّد أنه يختلف معنا في الرأي، وهذا الاختلاف قد يتحوّل إلى خلاف في القلب أيضًا . ويعود السّبب الرّئيسيّ إلى التّمسّك ببعض العادات والتقاليد القاتلة لقبول الاخر. وبغضّ النظر عن كل ما سبق، فلا بد لنا من الاعتراف بأنّنا في الحقيقة من أكثر شعوب العالم تكرارًا للقول المأثور: "اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية"، والواقع أننا نفسد كل القضايا بالصراع والتجني، ومن الصعوبة أن نتقبل حكم العقل من أجل وحدة الوطن أو الاحتفاظ بحبل الودّ مع الآخرين.
فلا بدّ من أن نتعاون لنعزز ثقافة الحوار وتقبل الآخر لدى الأجيال الصاعدة، من خلال دور الأسرة في تربية هذه الثقافة لينشأ الطفل منفتحًا، متقبلًا التنوع والاختلاف. وإدخال بعض المواد على المناهج الدراسيّة التي تحضّ على احترام الاختلاف ودمج الأطفال. ولا ننسى دور الإعلام الذي يعدّ مؤسسة ثقافية وتربوية لها أثر بالغ في اكتساب القيم والأفكار المختلفة لبناء قادة الغد.
صفية عبد الله
كلية خالد بن الوليد- المقاصد