النهار

جبّور الدّويهي "روائيّ الحياة اللبنانيّة"... حوار وتحيّة من "الأنطونيّة"
A+   A-

في إطار سلسلة "اسم علم"، احتفلت الجامعة الأنطونيّة بالرّوائيّ اللّبنانيّ جبّور الدّويهي، عبر تحيّة مصوّرة بثّتها على صفحَتي الجامعة والوكالة الجامعية الفرنكوفونية، بدأت بكلمة منسقّة سلسلة "اسم علم" باسكال لحّود، أطلقت خلالها المجلّد الرابع عشر من السّلسلة بعنوان "جبّور الدّويهي... روائيّ الحياة اللّبنانيّة"، مشيرة إلى أنّ الاحتفال الافتراضي أقيم بعد سنة من التأجيلات، فرضها إيقاع الجائحة والاقفالات المتتالية وانفجار 4 آب، إلّا أنّ استعادة القدرة على اللّقاء "هي دليل على استثنائية هذه السنة".

الأصدقاء والكاتب

هذا الاحتفال الذي كرّسته الجامعة الأنطونية تقليداً يسلّم فيه المكرًّم ريشة الجامعة، محوطاً بقرائه وأصدقائه، تضمّن مداخلات لأبرز نقّاد الرّواية اللّبنانيّة ممّن ساهموا في الإصدار، وهم: وفاء أفيوني شعراني، صونيا-دايان-هرزبرن، جورج دورليان، هدى رزق حنّا، خالد زيادة، فارس ساسين، ملحم شاوول، نيكول صليبا شلهوب، روني عريجي، طارق متري، شريف مجدلاني، شبلي ملّاط.

في المحطّة الثانية، مقابلة مع الرّوائيّ المكرّم بعنوان "هبة الحياة الأميرة"، من إعداد فوزي يمّين وإخراج سميح زعتر. إشارة إلى أنّ الموضوع مقتبس من رواية "ريا النهر" لجبّور الدّويهي، وقرأ منها مقتطفات تخلّلت سيلًا غنيًّا من آراء الكاتب حول "الرواية اللبنانية" ووجودها ومقوماتها، وعملية كتابة الرّواية.

حديث قيّم، لكل متذوّق ومتابع لرواية الدويهي، ويتملّكه الفضول لمعرفة القطب المخفيّة والإحاطة بالمزيد. إذ يستحضر عالمه التقني والموضوعاتي مكثّفاً ضمن 14 دقيقة، وهو في نهاية المطاف حضور للكاتب بالصّورة والصّوت ولو مسجلاً، استأنس به محبّوه بعد وعكة صحيّة صعبة هزمها في أيار الجاري.

"المرجل" و"الأدب اللبناني"

بدأت المقابلة في إشارة الكاتب إلى لحظة "غرام" أو "ورطة" في الكتابة، فهو يقول أنّه "وقع" في مرجل الكتابة مثلما وقع البطل الخرافي الفرنسي أوبيليكس في المحلول السحري. وبرغم علاماته الممتازة في المواد العلمية، اختار دراسة الفلسفة ثم الأدب الفرنسي في الجامعة حبّاً بـ"الخيال الأدبي"، وانتقل من موقع "المنتج إلى المستهلك" في عمر متأخّر، ربّما جنّبه "كتابات الصبا الّتي قد تجعلك تندم أو تخجل".

يتجنّب جبّور الدّويهي التّشديد على مفهوم "الرّواية اللّبنانيّة"، إلّا أنّ وجوده بات مؤكّدًا. ويعتبر أنّ شخصيات هذه الرّواية صبغت بتحولات لبنان خلال القرن العشرين وأهمّها الحرب، والهجرة، وديناميات اجتماعيّة شهدها لبنان في تريُّف المدينة وتمدُّن الرّيف.

وكثيرًا ما فرضت هذه التوليفة على جبّور الدويهي، استعارات ترمز إلى لبنان بالرغم من محاولته الافلات منها، فيوضح: "لا تستطيع أن تكتب عن بيت لبناني (عين وردة) من دون أن يكون هذا البيت هو لبنان، ما ينسحب أيضًا على مقهى يقع عند نهر (ريا النهر)، يعكس وضعية لبنان عند مفترق الطريق".

 

الشخصيات وعملية الكتابة

يلخص جبّور الدّويهي علاقته بأبطال الرّواية، في مقولة جورج شحادة: "لا تستطيع أن تكتب عن بطل بدون أن تحبّه"، ذلك أنّ "التعاطف ضروري مع أي شخصية"، فالحشوة، والعدّة والكلام والأذواق وكلّ ميزات الشخصية الأساس تنبع من تجربة الكاتب.

وفي تعريف الأدب الروائي، يرى أنّه باب لـ"أسطرة التافه أو العادي. الهامشي يصبح بطلاً في الرواية".

ويتناول التّسجيل عملية تأليف الرواية، حيث أشار الدّويهي إلى "تفاصيل تشكّل المحفّز الأوّل لبداية الرواية، تتموضع شيئا فشيئا في الهامش عندما تتخذ الرواية مجراها".

ومن يحيط بمختلف أعمال جبور الدويهي، لا بدّ أن له أن يقتنص أهمية "المكان" في تشكيل الجاذب الأوّل للرواية، سواء في "حي الأميركان" التي تبدأ بمشهد على سلالم القبة التي زارها جبّور ولاحظ صعوبة مرور السيارات في تلك الأحياء. وكذلك في عين وردة، حيث "رأينا البيت لكننا لم نعرف من يسكنه، إلى أن دبت فيه الحياة تدريجياً من خلال الشخصيات"، يقول الكاتب، مشيراً الى اتباعه هذا النمط أيضاً في "ريا النهر" و"طبع في بيروت".

الحكواتي ليس واعظاً

 ويرى أنّ "تنظيف النص من شوائب السماجة والتكرار"، ذائقة يمتلكها عضوياً "الحكواتي" الدويهي من خلال انسياب النص في نفسه: "أنا حكواتي، أعرف أن أخبر، والقارئ يدخل معي في هذه اللعبة". ويعتبر الدويهي أنّ الذائقة هي التوقيع الوحيد والمشترك في مختلف الأنواع الفنية: لا تستطيع أن "تستأجر" ذائقة من أحد.

ويحرص على تجنب "خطاب الرواية"، لأنّ توجيه القارئ عبر إدراج ما فوق المرويّ من خلال تحليل رؤية العالم أو الوعظ أو الشرح، هو"تدخّل وقح، فالروائي يتعيّن عليه أن يخبر فقط، وهذا ما تعاقد عليه مع القارئ".

والروائي قد يكون إمّا "المزارع أو المهندس". الأخير يضع خطّة ويطبّقها في الرّواية. بخلافه، المزارع ينثر ويحصد هنا وهناك فيقوم بالتجميع والتأطير- "من المؤكّد أنّني مزارع"، يستنتج جبّور الدّويهي.

وإذ لا تطرح أعمال جبور الدويهي أفقاً وردياً ونهايات سعيدة، يعتبر الكاتب أنّ "كلّ الروايات هي عن الفشل، والاصطدام بالجدران والنهايات الخاطئة". واستشهد في السياق، بالتراث الأدبي الفرنسي في القرن التاسع عشر، الذي قرأه كاملاً فعزّز لديه هذا الاستنتاج، باستثناء النهاية في رواية "من أجل سعادة النساء" لإميل زولا.

 

شرارة المكان والظروف

من ناحية أخرى، تشكّل ظروف واقعية حافزاً لرواية بعض أعمال الدويهي، مثل "مطر حزيران"، إذ يقول "كتبتها "غبّ الطلب" بعد إجماع أصدقاء أمثال سمير قصير وسمير فرنجيّه على ضرورتها"، في إشارة إلى الحيّز التوثيقي لمجزرة مزيارة في عام 1957. وشكّل الواقع أيضًا إلهاماً ليبني جبور الدّويهي شخصية "نظام" في رواية "شريد المنازل"، فـ"البطل هو قريب له أحبه كثيرًا. وحين توفي قرأت له ورقة نعي عند المسلمين وأخرى عند المسيحيين".

ويلفت المكرَّم إلى أهمية "الخفّة" في صناعة الرواية، مخيّراً: "هل تحب أن تكون دراماتيكياً أم لاعباً ممازحاً للأحداث؟ كاتب عبثي أم جدّي؟".

في مطلق الأحوال، جبّور الدّويهي مقتنع بأنّ "الرواية ليست جميلة من دون سخرية. الرواية تفكّك العالم من الأعلى الى الأسفل، ولا تأخذه على محمل الجد. الرواية الحقيقية تترك العالم على خرابه"- نظرة يرتقب القرّاء تجسيدها مجددًا في رواية جبّور الدّويهي "سمُّ في الهواء" الّتي أعلن صدورها قريباً عن "دار السّاقي".  

 

 

اقرأ في النهار Premium