وداعاً عناية جابر. صحافية وشاعرة ومغنّية من لبنان، تفارق بصمت الحياة. هذا الصمت المغلّف بالحميمية، لا يدركه سوى قلّة من المحبّين وقرّاء الكلمة. ترحل الشاعرة والناقدة الأدبية، والعالم متوحّش قاسٍ، بالوباء والظلم واللاعدل. لم يرد الأصدقاء للرحيل المرور من دون انتباه. رفعوه إلى مرتبة الوداع الافتراضيّ الكبير، الغارق بكلمات الشعر الحزينة. لم يرد رفاق "فايسبوك" وداعاً خجولاً. عصروا الرحيل و"جمّلوه"، هو الشديد القسوة والفظاعة. ترحل عناية جابر في ستيناتها بعد صراع مع المرض. ولدت في بيروت عام 1958، وهي ابنة قرية السلطانية في قضاء بنت جبيل الجنوبية. رافقها الهمّ الصحافيّ، فكتبت النقد الأدبي في صحف بينها "القدس العربي" و"السفير". وهي أيضاً فنانة تشكيلية ومغنّية. فإلى جانب دواوين شعرية منها "استعد للعشاء"، "أمور بسيطة"، "لا أخوات لي"، "عروض الحديقة"، وغيرها، أعادت تقديم أغنيات بصوتها، منها "على خده يا ناس مية وردة"، "آمن بالله"، "ما دام تحب بتنكر ليه"، "ليلة العيد"... إلى مقطوعات أخرى لليلى مراد وأم كلثوم وعبدالحليم...
تودّع الشاعرة فيوليت أبي جلد، في "فايسبوكها" عناية جابر التي ماتت "وحيدة ببيتها الصغير بشارع الحمرا". تتحدّث عن أولاد هاجروا إلى بلاد الممكن هرباً من البلاد المستحيلة. هناك حيث ثمة قيمة للإنسان والإنسانية والجهد والتعب. "ماتت وحيدة وحزينة ويائسة من كل اللي عم يصير. ماتت شاعرة حلوة بتشبه قلبها".
الشاعر اسكندر حبش حزين أيضاً. رافقتهما ذكريات "السفير". يودّعها في "فايسبوكه": "هو صباح قاسٍ آخر. عناية سأشتاق لغزلك".
هذه المنصّة الافتراضية في بكاء. "لِمَ العجلة"؟ تودّعها الزميلة روزيت فاضل. الغياب موجع.
يستعيد الزميل رامي الأمين ذكرياته معها ببوست طويل. ويرفقه بتسجيل لـ"مضناك جفاه مرقده" بصوتها على "يوتيوب".
ويشاء الشاعر شربل داغر أيضاً الاستعادة، فيختار من عنائها "ليه تلوعيني".
لكنّ الكاتب جهاد بزّي يعلم أنّها لا تحبّ الرثاء تماماً مثله. بتذكرها كفرد من الأسرة، وقد أجادت التهكّم بأناقة لا مثيل لها. "تتهكم ولا تسخر. تتهكم على المثقفين وعلى السياسة وعلى الجدية المبالغة بها في أي شيء. تتهكم علينا ونحن معها ونضحك معها. وكانت تبدو دائماً مكتفية بوحدتها. كأنها الوحيدة التي يمكن أن تواعد نفسها على فنجان قهوة وتستمتع بالموعد". يصفها أيضاً بالمُحبّة. بوست حميمي، طافح بالوفاء.
لن يقدر موتُ على ما تركتيه من أثر، تودّعها الشاعرة لوركا سبيتي.
والصحافية في "صوت الشعب" فاتن حموي تستعيدها في أشهر أشعارها: "إذا لمست قلبي ولو بريشة يصرخ من الألم"...
والفنانة جاهدة وهبي...
"تفقد بيروت بعضا من روحها"، يودّعها الشاعر والمترجم سامر أبو هواش في تغريدة.
برحيل عناية جابر تفقد بيروت بعضا من روحها، تلك الشاعرة التي لم تكن صديقة فحسب، بل شقيقة كبرى في الشعر وفي مشاغل الحياة، كانت أيضا جزءا من مدينة ما زالت تحلم وتنبض وتبحث عن صوتها وصورتها. تلك الصورة اليوم كئيبة وذلك الصوت حزين، وبرحيل عناية أشعر بفقد شخصي لكل شيء جميل في بيروت. pic.twitter.com/FFIbz9mDmm