غلب الفرح على الحزن في لقاء رسمي نظمته الجامعة اللبنانية الأميركية إحتفالاً بتسليم المصممة الكوريغرافية جورجيت جباره أرشيف مسيرتها الغني جداً الى مكتبة رياض نصار في حرم الجامعة في قريطم.
حاكت ذاكرة جباره الغنية جداً بعدسات صور بالأبيض والأسود أو ملونة لحفلات راقصة أو بعض مقابلاتها لشخصيات رائدة في عالم المسرح والباليه، الناس كل الناس من خلال جسدها، الذي سرد لنا روايات خيالية كما الحال في قصة "سندريللا" أو "الأميرة النائمة" وسواها.
في زمن الكبار الذي ولّى على ما يبدو الى غير رجعة، تمكنت المبدعة جورجيت جباره من أن تقرب المسافة بين الرقص والشعرمن خلال توأمة حركة الجسد مع الشعر، أي من خلال تفاعلها مع إلقاء قصائد سبع هي: "الباب" لبدر شاكر السياب، "عبير" لجورج غانم، "ذاك المساء" لفدوى طُوقان، "شؤون صغيرة" لنزار قباني، "الناسكة" لالياس أبو شبكة، "أَضحى التنائي" لابن زيدون، "كان لي بالأمس" لجبران.
يستوقفك العنوان الجبراني "كان لي بالأمس" كأنه مرآة للأمس الجميل البعيد ولواقع الهلاك القاتل في قعر جهنم اليوم ...
أرشيف جباره هو كمجموعة فراشات تنتقل من زهرة الى أخرى حاملة معها الرحيق لتغذية الزهور على أنواعها.
تتحول أقسام هذه الذاكرة الى "رحيق" غني بمراسلات، وصور، وأول بذلة رقص الباليه، ونموذج من كتاب "بين خطوتين" أصدرته شخصياً عن تجربتها في رقص الباليه، إضافة الى مجموعة قصاصات صحف وعدد من الأوسمة والجوائز الممنوحة لها، منها جائزة سعيد عقل في العام 1972 لتكون امرأة سابقة لعصرها خطت مسيرة ذهبية على مدار 70 عاماً...
ماذا يعني اليوم الحديث عن هذا الأرشيف؟ هو في الحقيقة محاولة لكسر الواقع المأسوي للإنحطاط القائم في أروقة الفنون والثقافة في لبنان والمنطقة، إضافة الى محاولة مصالحة الجيل الناشىء، الذي سيزور المكتبة للغوص في هذا الأرشيف الغني جداً، مع لبناننا المأزوم لأن لبنان الحقيقي، الذي سرقته الحرب وأزلامها منا، عرف امرأة فوق العادة إسمها جورجيت جباره "الباليرينا"، التي رفعت إسم لبنان عالياً من خلال رقصها الراقي.
نجحت جورجيت جباره في مهنتها لأنها اعتنقت الحرية وناضلت من أجلها من خلال رقص الباليه على المسرح.
وهي شقّت مسيرتها منذ 70 عاماً من أجل حرية الإنسان عموماً وتحرير المرأة خصوصاً من موروثات مقيدة لحياتها.
رفعت جباره الرقص الى مجد الحياة من خلال تلازم لغة الجسد وتمايله مع الشعر والموسيقى ورفعه الى مرتبة سامية ومقدسة...
من جاء الى الحفل؟ كل محبيها بدءاً من زوجها السيد روبير عريضه، وصولاً الى رفاق الدرب في التمثيل، أبرزهم غبريال يمّين، رفعت طربيه، جورج شلهوب وإلسي فرنيني، رندا الأسمر، نقولا دانيال، جوليا قصار، لينا أبيض وأصدقاء العمر الطويل ومنهم الفنانة التشكيلية سليمى زود، التي رسمت لجباره تصاميم أزياء مستوحاة من رسوماتها لباليه "النشوة" لجورجيت جباره...
المهم أننا استطعنا أمس أن نخرج من قمقم مشاهدة الطبقة الحاكمة، التي تنقضّ علينا من دون رحمة، من خلال هذا الحفل، الذي تحدث فيه كل من رئيس الجامعة الدكتور ميشال معوض وعميدة كلية الآداب والعلوم الدكتورة كاتيا جنيناتي، ومديرة إدارة المجموعات في مكتبات الجامعة الدكتورة هويدا قمورية.
وتخللت يوم "جورجيت جباره" وقفة خاصة لمصممة الرقص الدكتورة نادره عساف، التي عرفت جورجيت جباره عن كثب، مقدمة مع فرقة السراب للرقص المؤلفة من أستاذي الرقص جيمي بشاره وساره فاضل رقصة مستوحاة من مسيرة جورجيت جباره في رقص الباليه، لا بل استمدتها من وحي أرشيفها الغني وأهمية دور الرقص في نقل المعرفة للمشاهد...
[email protected] Twitter:@rosettefadel