عرف صالح إبراهيم من خلال روايته "دروب ملوّنة. حكاية غجر" الصادرة عن دار البيان العربي للدراسات والنشر (طبعة أولى ٢٠٢٣) أن يقود المتلقّي نحو جماليّة تلقّي أدب المغامرة أو ما يعرف أكاديميًّا بأدب الرحلة.
فموضوعة النّص بظاهرها تعالج فكرة البحث عن بافال المرأة الغجريّة التي رحلت بعد زواجها بٱدم، وبعد حبّ مرّ بدروب بريئة وصادقة، لتقود زوجها نحو مختلف أصقاع العالم بحثًا عنها من الشرق إلى الغرب.
الدلالة والشخصيّات وارتباطها بالجماعة
يكشّف البعد الدلاليّ للموضوعة، حين بدأت هذه الرحلة من سوريا مروراً برومانيا وفرنسا وبريطانيا، وصولاً إلى عمّان. ولعلّ الغاية منها هي تسليط الضوء على جماعة منبوذة منذ فجر التاريخ تسمّى الغجر، التي تنحدر من ذات المبادئ والسلوكيّات... فوظّف بافال كشخصيّة أساس تشبه بغيابها وبشهادة الشخصيات الثانويّة الغجريّة فيها فرانكشتاين الشخصيّة الإصلاحيّة المتمرّدة بصخب على الفساد. والفساد تجسّد هنا بالفقر والأميّة والزواج المبكر وغيرها.
ممّا وضع إبراهيم أمام رصيدين: رصيد مرتفع تجسّد بتعدّد أبعاد توظيف هذه السرديّة، منها نقد سلوكيّات المجتمعات، التي تحمل لواء الإنسانيّة. ولعلّ تواتر هذا السياق خير دليل على احتجاج الكاتب على إهمال الأنظمة لهذه الجماعة.
ورصيد متخبّط انخفض حين آثر إبراهيم إخفاء صوت بافال الروائي، ممّا وضعنا أمام مشهديّات تصوّر رحلة هذه المرأة بمنظور الغائب لا بمنظور مصاحب ذاتيّ...
الوحدات السرديّة: بين الأحداث و القصد
إنّ الإسهاب والتبحّر المعرفيّ اللذين فرضتهما الشخصيّات الثانويّة (المرشد السياحي٬ مرافقو آدم٬ قادة الجماعات الغجريّة) وضعنا أمام منعطف سرديّ...فبدلاً من التركيز على مصير العقدة المتجلّية بغياب بافال. أصبحنا أمام وثائق معرفيّة حول الغجر وتاريخهم وأحوالهم في معظم بلدان العالم.
وهذه الوحدات السرديّة المعرفيّة، بالرغم من أهمّيتها، ونثرها بلغة سرديّة سلسة، شكّلت في أعمال الكاتب السابقة بصمته الروائيّة، إلّا أنّها لم تكن كافية لكشف مختلف مفاصل النّص وجوانبه. فطغت المعرفة على حساب الحدث. بدلًا من تلازمهما وتكاملهما للحفاظ على وتيرة الحركة النصيّة.
لا شكّ في أن مؤلّف رواية الجرس الأخير. نجح في الحفاظ على الغاية، وأثبت مجدّدًا تمسّكه والتزامه بقضيّة الإنسان. وكرّس الجيل الشاب كشخصيّة رئيسة في روايته...لتكون هذه الرواية خليطًا مغايرًا ما بين الترحال الأدبيّ والنّسق المعرفيّ والحرص على المبنى الحكائيّ.
لكنّ السؤال: هل أحاديّة الصوت الروائيّ في الأعمال الملتزمة تقضي على مجتمع الرواية وتعوّم القضيّة أم تجعلهما يتكاملان؟