الأحد - 08 أيلول 2024
close menu

إعلان

ستيفن سبيلبرغ وقصّة الظلم الأوسكاري

المصدر: "النهار"
جاين كامبيون في موقع تصوير “قوة الكلب”.
جاين كامبيون في موقع تصوير “قوة الكلب”.
A+ A-
هـ. ح.
 
 
لماذا لم ينل "قصّة الحي الغربي" أي جائزة مهمة (ما عدا "أفضل ممثّلة" لأريانا دوبوز) من بين الترشيحات السبعة التي فاز بها؟ أي شخص شاهد الفيلم وأُعجب به، لا بد ان يدهمه الاحساس بالظلم الذي لحق بسبيلبرغ وتحفته، هذا اذا اعتبرنا أصلاً ان الـ"أوسكار" جائزة ذات شأن أو معنى. في أي حال، هذه ليست المرة الأولى التي يُهمَّش فيها سبيلبرغ ويخسر أمام فيلم لا يرتقي إلى مستوى عمله. لا يزال السينيفيليون يتذكّرون يوم ضاع منه الـ"أوسكار" أمام "شكسبير مغرماً" قبل ربع قرن. وها ان التاريخ يكرر نفسه. في أي حال، لو فاز بجائزة أفضل فيلم لكان دخل التاريخ باعتباره أول ريمايك لعمل كان قد فاز سابقاً بجائزة أفضل فيلم، ونقصد به نسخة روبرت وايز من "قصّة الحي الغربي" في العام 1961.
 
حينما شاهدتُ الفيلم في نهاية العام الماضي، أزعجني النحو الذي تعامل معه الجمهور. في الصالة التي كانت تعرضه، وصلني تأفف بعض صغار السن من الذين لا يقدّرون الميوزيكال كأحد الجانرات الأساسية في السينما الأميركية. هذا من دون الحديث ان البعض الآخر من المشاهدين الذين باتوا في متوسط أعمارهم، غادروا الصالة في منتصف الفيلم في حين أن آخرين دخلوا اليه بعد مرور نصف ساعة على انطلاقه. كانت الصالة في "فوضى" لم أرَ مثيلاً لها في أي من الأفلام التي شاهدتها في السنوات الأخيرة، وأتخيل ان مشهداً مشابهاً تكرر في العديد من الأماكن حول العالم، ممّا جعل الفيلم يحقق إيرادات بائسة لا تتجاوز الأربعين مليون دولار، وهذا رقم هزيل أولاً بالمقارنة مع تكلفة الفيلم، وثانياً قياساً بإيردات أفلام سبيلبرغ السابقة، السينمائي الذي يُعتبر أحد أسياد شبّاك التذاكر حول العالم.
 
 
 
ما عاد هناك أدنى شك في ان هذا فيلم من زمن آخر، ما يفسّر (من دون أن يبرر) عدم استجابة الجمهور له. لا يخاطب سبيلبرغ المشاهدين باللغة السائدة والمهيمنة والمستهلكة، بل بلغة السينما والمسرح والموسيقى، ولا يخشى ان يبقى خارج اهتمام شريحة كبيرة منهم. فصناعة السينما تتطلب كثيراً من الجرأة والشجاعة، لا بل مغادرة المنطقة المريحة التي تصبح مع الوقت سجناً للفنان. لكن، هذا لا يعني ان صاحب "إي تي"، السبّاق في مخاطبة الروح الفتية في داخلنا، قد صنع فيلماً للعجزة الذين يحنّون للماضي. بل على العكس من ذلك، فهو رسم متتاليات بصرية بلغة شباب يروون الحكاية بأجسادهم، بطموحهم وجمالهم وأصواتهم العالية، بغرورهم وغضبهم وقدرتهم على الحبّ والكره، وبجهلهم بالحياة وما يدور في فلكها. سبيلبرغ صنع سينما خارج الموضة والتيارات. سينما صنعت لتبقى لا لتُستهلك.
 
ما عاد لسبيلبرغ شيء يثبته خصوصاً على مستوى تحريك الكاميرا والتقاط دورة الحياة بكلّ تفاصيلها مع اضفاء لمسته الخاصة عليها التي تفضي دائماً إلى ما يُعرف عنده بالـAwe shot. الرجل الذي بات في الخامسة والسبعين لم تمت في داخله تلك الطزاجة التي ينظر بها إلى الأشياء والناس والعالم من حوله. هو صاحب ديناميكية وحيوية تتعايشان مع قدرته على التسلية والتثقيف وخلق الوعي. هذا كله يأتي دفعة واحدة، وفي دوران مستمر لكاميراه المجنونة، المسكونة بشغف الخلق منذ الطفولة. أكد مراراً أنه يمتلك القدرة على الولادة مجدداً في عمر متقدم. "قصّة الحي الغربي" فيلم معلّم كبير صوّره بأنفاسه، بنبضات قلبه، بأحشائه اذا وجب ذلك. تتوزع المَشاهد علينا بالسهولة عينها التي يدخل فيها الأوكسيجين إلى رئتيه. مشهد أغنية "أميركا" لما فيه من عظمة بصرية، إنجاز في ذاته. هذا مشهد يقطع الأنفاس ويحمل الفيلم إلى مستوى آخر من الروعة. الإتقان على مستوى الإخراج، اللعب بالكاميرا المتحركة على الدوام، حسّ التشويق، هذا كله تحصيل حاصل عند سبيلبرغ الذي يمزج جمال السينما ببشاعة الشرط الإنساني في لحظة سقوطه.
 
أحد التقارير يقول انه حتى العام 2012، كان المعدّل العمري لأعضاء الأكاديمية يتخطى الـ62 عاماً. قد يكون هذا المعدّل تراجع مع دخول أعضاء جدد في السنوات الأخيرة، الا ان منطق المصوِّتين لم يختلف كثيراً: نبذ الحركة ومعاداة الإيقاع السريع والديناميكية التي تعبّر عن روح فتية يهوى اللعب. فما بالكم بالأفلام التي تُحكى بالرقص والغناء؟ فهذه مشاكل الرجل الأبيض وهموم العالم الأول التي لا تهم أحداً، وينبغي الحكم عليها بالاعدام!
 
 
جاين كامبيون رائدة السينما المعاصرة
جاين كامبيون أصبحت رسمياً ثالث سيدة تنال “أوسكار" أفضل مخرجة بعد كاثرين بيغلو عن "خزانة الألم"، وكلويه زاو عن "نومادلاند". المخرجة النيوزيلاندية التي دخلت السابعة والستين من العمر تعيش منذ أيلول الماضي، عندما عرضت "قوة الكلب" في موسترا البندقية، ربيعاً جديداً أزهر هذا الفيلم المختلف عن السائد الذي أوصلها إلى حفل توزيع جوائز الـ"أوسكار" لمنافسة تسعة أفلام أخرى، بترشيحات في 12 فئة. يجب الا ننسى ان كامبيون هي أول امرأة فازت بـ"السعفة الذهب" في كانّ، عام 1993، يوم عرضت "البيانو"، عملها الأشهر حتى الساعة. في تلك الدورة، كان لوي مال رئيس لجنة التحكيم. كامبيون صاحبة بصمة وأسلوب، من السهل التعرف اليهما في أفلامها، وقد شرعت لها المهرجانات أبوابها، لتقدّم فيها رؤيتها للعالم. تكرست في أرفع المحافل وعرضت أعمالها في جميع أصقاع الأرض، فوصلت إلى ما وصلت اليه من مكانة مرموقة في السينما المعاصرة.
 
لم يكتفِ مهرجان كانّ بمدّها بهذا القدر من المجد، بل أعطاها بعد سنوات من انطلاقتها المدوية، أي في العام 2014، فرصة ان تصبح أول رئيسة لجنة تحكيم، بعدما كان هذا المنصب حكراً على الرجال لفترة زمنية ممتدة على عقود. مهرجان لوميير في ليون كرّمها في دورته الأخيرة (تشرين الثاني الماضي) عبر منحها جائزته الفخرية. يومها قرأنا في الملف المخصص لها ان كامبيون من رائدات السينما المعاصرة، على غرار جيل كامل ظهر في التسعينات من مثل الأخوين كووين وكوانتن تارانتينو وستيفن سادربرغ. منذ بدايتها، قدّمت سينما ملتزمة بعض الشيء، لا بالمعنى السياسي الضيق، بل في مقاربتها الاجتماعية للمسائل المطروحة، فانتصرت للمرأة، وناضلت من أجلها في أفلامها التي تحكي الرغبة والعلاقات الإنسانية المتشابكة من خلال سلسلة بورتريهات لنساء من مثل نيكول كيدمان وهولي هانتر وكايت وينسلت وميغ راين وغيرهن. على مدى ثلاثة عقود ونصف العقد، صوّرت كامبيون تسعة أفلام طويلة، تنطوي على هوية خاصة بها، أفلام شعبية وتخاطب أعماق ذاتها في الحين نفسه.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم