الإثنين - 16 أيلول 2024
close menu

إعلان

البندقية 81 - "بايبي غرل": نيكول كيدمان تكتشف رغبات المرأة

المصدر: "النهار"
هوفيك حبشيان
- نيكول كيدمان وهاريس ديكنسون في "بايبي غرل".
- نيكول كيدمان وهاريس ديكنسون في "بايبي غرل".
A+ A-
البندقية - هوفيك حبشيان


لا يُحصى عدد السينمائيين الذين تحدّثوا عن المرأة في السينما. هناك توجّه حالياً إلى اعادة النظر في تفاصيل أعمالهم واعتبارها قديمة ورجعية، فهي في نظر البعض فانتاسمات ذكورية. ربما! لكن ما تقدّمه السينما التي تعرّف نفسها باعتبارها تقدّمية ما هو سوى نسخ رديئة عن الأفلام الإيروسية التي كانت على الأقل ترينا العلاقة الجنسية بجمالياتها المتعددة.

هذه هي حال "بايبي غرل" لهالينا راين، أحد أحط أفلام مسابقة الدورة الحادية والثمانين من مهرجان البندقية السينمائي (28 آب - 7 أيلول). عمل في منتهى الاسفاف والتسطيح والتفاهة. قبل بضع سنوات، كان يمكن للواحد منّا ان يسأل: ماذا يفعل عمل ضحل كهذا في السباق على "الأسد" في واحد من أعرق المهرجانات السينمائية؟ لكن، بعدما أصبح ضم مثل هذه الأشياء إلى المسابقة أمراً غير نادر، فما عاد الأمر مفاجئاً وصرنا نتعامل معه كأمر واقع، خصوصاً ان الجميع اليوم تقريباً يخضغ لأجندة ما يُعرف بـ"ثقافة الصحوة" الأميركية ("ووك كالتشر") التي يُمكن اعتبار "بايبي غرل" أحد أسوأ تجلياتها.

الاطلاع على أفكار المخرجة، من خارج الفيلم، قد يساعدنا على فهم ماذا أرادت ان تقوله مع عملها هذا الذي يعيد نيكول كيدمان إلى الصدارة بعد فترة أفول. تعتبر راين ان جميعنا يحمل صندوقاً أسود صغيراً مملوءاً بالتخيلات المحظورة التي قد لا نشاركها مع أحد: “أنا مفتونة بازدواجية الطبيعة البشرية، وهذا الفيلم محاولة للاضاءة على القوى المتعارضة التي تشكّل شخصياتنا. بالنسبة لي، النسوية حرية دراسة ضعف المرأة وخجلها وغضبها ووحشها الداخلي. التقدّم في السن يعني مواجهة اللانهائية في كلّ شيء. عند بلوغ منتصف العمر، لا يعود في إمكاننا الاختباء، ويجب أن نواجه شياطيننا الداخلية. وكلما قمعنا ظلّنا، أصبح سلوكنا أكثر خطورةً. تتيح العلاقة الغرامية في ”بايبي غرل“ لرومي وسامويل أن يمارسا ارتباكهما حول السلطة والجنس والعمر والتسلسل الهرمي والغريزة الأساسية. وعلى الرغم من طبيعتها المحظورة، فمتعة هذا الاستكشاف لها جانب علاجي وتحرري”.
 
كيدمان على السجّادة الحمراء في البندقية.
 
 
في الفيلم، نيكول كيدمان إمرأة ناجحة، اذ انها تتبوأ منصباً مهماً في عالم محصور عادةً بالرجال. هي متزوجة من مخرج مسرحي (أنتونيو بانديراس). علاقتهما كعلاقة معظم المتزوجين بعد عقود من الارتباط، دخلت مرحلة الأفول. بضع مشاهدة كافية ليصلنا ذلك الاحساس، فنفهم ان الجنس ما عاد كما كان في البدايات. رومي (هذا اسمها) تحتاج إلى ألاعيب ذات طابع جنسي كي تشعر بالاثارة. بحكم عملها رئيسة لشركة كبيرة معنية بالتكنولوجيا، تلتقي طريقها بطريق متدرب (هاريس ديكنسون) يصغرها سنّاً بطبيعة الحال. يحاول الأخير إغراءها بكلّ الطرق والضغط على الأزرار التي تجعلها تسلّم نفسها له، وهو الشيء الذي ستخضع له تدريجاً، خطوة إلى الأمام وخطوة إلى الخلف. ستنشأ علاقة بينهما، عابرة ومدّعية وسطحية (رغم ان الفيلم يحاول ان يوحي بالعكس)، مع ما يترتب عليها من مجازفة بالنسبة الى سيدة تشغل مثل منصبها. فلا أحد من حولها، بمن فيها هي، سعيدة بمخاطرة تشويه سمعتها كسيدة ناجحة جاهدت وتحدّت ووصلت، لكن الرغبة أقوى من أي شيء، والتجديد حقّ للجميع، خصوصاً اننا نتحدّث عن إمرأة تجاوزت منتصف العمر، وهي مرحلة عمرية فقزت السينما فوقها كثيراً. كونها امرأة نافذة تتحدّر من بيئة بورجوازية، ويدها طائلة، وصاحبة سلطة، فهذا ليس بالتفصيل، بل ان خطاب الفيلم كلّه يتناسل من هذا، ويعود اليه مراراً ليقول ما يود قوله، ولو برداءة لا مثيل لها. من دون هذا المنصب، لما انوجد الفيلم في الأساس. في الأخير، هذا فيلم آخر عن البورجوازية وما تخلّفه عند احتكاكها بالناس العاديين الطامحين إلى الصعود الاجتماعي.

هذه العلاقة ستنتج سلسلة من مشاهد الجنس وهي من أبشع ما صوّرته السينما في تاريخها الحديث. لا نرى كيدمان عارية حتى، بل تظهر أجزاء بسيطة منها فقط. إنها الإيروسية في زمن يشرف أناس يعرفون بـ"الكوتش" على المشاهد الحميمية. كان الفيلم يطمح ربما ان يكون عملاً لبولانسكي أو برتولوتشي مع امرأة خلف الكاميرا (لا يهم من هي!)، ولكن يخلص بأن يكون "تدرجات غراي الخمسون"، درجة ثانية. لا يكتفي الفيلم بهذا القدر من التسطيح، بل يعطينا درساً في كيفية مقاربة الأشياء في زمن تعديل الخطوط، مدعوما بفلسفة خاصة وتنظيراً في مسائل السلطة الذكورية.

في الثمانينات والتسعينات، تمردت السينما الشعبية الأميركية وراحت تنتج أفلاماً تحمل مشاهد جنسية جريئة. ما اعتُبر حينها نصوصاً ساقطة ورديئة، صار مع الزمن من الكلاسيكيات. اليوم، يدفعنا "بايبي غرل" إلى الاعتذار من صنّاع هذه الافلام. إحنا آسفين يا أدريان لاين وبول فرهوفن!
 
كيدمان مع مخرجة الفيلم هالينا راين في البندقية.
 
كلّ هذه الأفلام تعطينا الانطباع بأن السينما خلف الأطلسي اكتشفت فجأةً المرأة ورغباتها الدفينة وجسدها المتعطش. هؤلاء مساكين اذا كانوا فعلاً مقتنعين بذلك. أما اذا كانت مجرد متاجرة وركوب لموجة تجدّد من خلالها الرأسمالية نفسها، فالحديث يطول… في كلتا الحالتين، علينا دائماً التذكير بأن كلّ هذه المسائل سبق ان نُوقشت بشكل أعمق بكثير من كثر من السينمائيين. كلّ ما تفعله الموجة الحالية غير القادرة على أي ابتكار، هو ان تأتي بنسخ "ملعوبة" عن قصص قديمة بحجّة قضية المرأة التي أصبحت نوعاً من بزنس لا يُطاق، وعدد الذين ما عادوا يتحملون هذه الأدلجة أكثر ممّا نتخيل، لكن للأسف، التحفّظ والخوف من التهم يمنعان شرائح واسعة من الصحافيين والنقّاد عن الكلام.

واللافت ان من تولّى هذا الدور وكلها قناعة بأنها تساهم في كتابة البيان التأسيسي لاحدى الحركات الثورية، ليست سوى نيكول كيدمان! ولم ننسَ بعد ان كيدمان لعبت بطولة "أيز وايد شات" آخر أفلام كوبريك قبل أكثر من ربع قرن، وكان لها فيه من الكلام المباح الكثير، وهي تبدو فيه أكثر تقدّمية وتصالحاً مع نفسها من كلّ ما نراه هنا في هذا العمل المتحذلق الذي يبرر الخطأ من دون ان يحاول فهمه.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم