تشكّل رواية "الأعراف" لكاتبها محمّد علاء الدين (42 عاماً) الصادرة عن دار نوفل (هاشيت أنطوان- طبعة أولى 2019) نموذجاً للنص المهشّم الذي يعزيه قدرة المتلقّي على الانسجام مع سلاسة السرد ويعتريه تخبّط في الحبكة. فمن خلال 167 صفحة يحاول علاء الدين أن يقدّم لنا سيرة أو سيراً ذاتية لشخصيات قد تكون واحدة منها تمثّله أو تمثّل آخرين محيطين به لكنّ جملة من العوامل قد أفقدته قدرته على السيطرة على تقيناته الروائية.
الرواية التي تحمل عنواناً لا يمكن بسهولة ربطه بمضمون النص نظراً لتشعّب الأخبار والأحداث التي تركّز على مجموعة مشاكل نفسية تختلج السارد وأمه وشخصيات ثانوية أخرى كياسمين وحسن ومحمد وغيرها، حاولت أن تشكّل صلة وصل واضحة فيما بينهم، لكنّ جملة عوامل بنيوية سردية حالت دون ذلك.
الانزياح السرديّ وتزاحم الساردين
لعلّ اللافت في أيّ عمل روائيّ تعرّض النصّ لانزياح سرديّ خاصة إذا كان صاخباً بالأحداث ومحكوماً بالاسترجاع وزمن السرد، إلّا أنّ علاء الدين قد أفقد نصّه الأعراف بسبب غزارة الوحدات السردية الخبرية القادرة على تحديد أزمنة الأحداث وأزمنة السرد، وآية على ذلك بروز أكثر من صوت روائيّ تحديداً في بداية الرواية حيث كان يخبرنا عن أمه المريضة التي تروي معجزة تحولها من قطة إلى أنثى بشرية، لتصطدم فيما بعد بمشاكل الراوي النفسية والاجتماعية ، ليتناوب على السرد فيما بعد الأم التي تروي قصتها مع الأب وحبها لرجل هو حصان بالأصل ومصادفتها لأب الشخصية الأساس الذي ينتمي إلى فصيلة القطط السوداء، ومن ثمّ الكلام عن احتلال الفرس لمصر من خلال القطط، هذا التناوب السريع على حلبة السرد وتزاحم الساردين قد شكّل ضياعاً لدى المتلقّي حيث بات علينا أن نفنّد على مهلنا إلى أيّ زمن ينتمي هذا النص أو ذاك الحدث، وإلى أيّ صوت روائيّ ينبغي أن ننصت لكي نحظى بالحبكة وبنيتها، فضلاً عن فقدان القدرة على استباق ما سيحصل خصوصاً بعد دخول شخصيات أخرى وياسمين وغيرها، أي أنّ بنية النص تعاني زحمة شخصيات وعدم قدرة الراوي على إفهام المتلقّي إلى أيّ نصّ زمنيّ تنتمي كلّ شخصية، ممّا يجعل توزيع الشخصيات وفقاً لعامل الذات وعامل الموضوع مستحيلاً.
الأمكنة البعيدة
من الثابت أنّ الرواية تتعدّد فيها الأمكنة وتتفاوت بين مغلقة ومفتوحة، لكن ما طغى على نصّ "الأعراف"، هو التوازن بين الأمكنة المغلقة (الحانة، المستشفى، المنازل) والمكان المفتوح (الشارع) ممّا أفقدنا القدرة على تحديد العوامل النفسية المتبدلة لكل شخصية، واللافت أيضاً انتقال الكاتب من مكان إلى آخر ومن زمن إلى آخر من دون أيّ إشارة أو تنبيه أو تمهيد للمتلقّي الأمر الذي أسقط خيطاً تفاعلياً جديداً بين النص وقارئه.
الشكل الخطي
لقد راعى الكاتب الشكل الخطّي في آخر صفحات الرواية لكنّه أهملها في صفحاته الأولى، فبرز لدينا خطأ في توزيع علامات الوقف، تحديداً توظيف (.) النقطة بين كلّ جملة قصيرة، وهذا ما يمكن تأويله إلى عدم الانسجام بين النصّ وكاتبه، ربما، وعدم مراعاة السياق الحواريّ بدءاً من كتابة الحوار الخارجي على هيئة الحوار الداخي (بشكل أفقيّ من دون فواصل، والاكتفاء بفعل القول للدلالة على الانتقال من محاور إلى آخر)، لكن سرعان ما ستدرك الكاتب هذا الخطأ ووضع (-) على الهامش للدلالة على حوار قائم بين طرفين.
إذن النصّ الروائيّ "الأعراف" أشبه بسيرة ذاتية ضائعة، تحتاج إلى شدّ مفاصل السرد وتوزّع دقيق للوصف والحوار وتحديد عوامل الشخصيات ليدخل المتلقّي إلى عمق النصّ وتأويل سلوكيات كلّ شخصية. وعليه، فإنّ علاء الدين كتب "أعرافه" بطريقة عجولة أو بطريقة حاملة بوحاً خانه كاهله.