تستوقفني أحيانـًا/ وأنا أسرع في خطوي/ نحو المنزل/ أشجار لا أعرفها/ تتقوس نحوي بثمارٍ دانيةٍ/ وتناديني/ أسأل نفسي/ هل للأشجار دم فيجنّ/ وللأغصان يد فتلوّح/ إذ تلقى ضوء جنبي.
تستوقفني أحيانًا/ وأنا أجلس في بيتي/ أصوات لا أعرفها/ تأتي من زاوية/ لم تكشف للضوء حواشيها/ أسأل نفسي:/ هل لحجارة هذا البيت فم/ يختزن الأصوات ويحييها؟/ هل لنوافذ هذا المنزل ذاكرة/ تذكر أرواح محبيها؟
***
الفراشة
إلى التي ماتت في الشهر الجميل آمنة/ أمّي
في الليل/ في الحَلَك العظيم / وعند تشابك الأحياء بالموتى/ وولولة الرياح/ دفنتُ أمي/ وأهَلْتُ آخر حفنة فوق التراب من التراب/ وقلت: ها إني أعود لعلّني/ أجد الجميلة تستريح على سرير جمالها/ في البيت/ حيث تمدُّ نحوي كفّها البيضاء/ تسألني معاتبة لماذا غبت يا ولدي؟/ وتعلم أنني ما غبت/ لكنّ الجميلة دائمًا / ينتابها قلق الغياب/ وأنها تنأى/ وتبعد حين تقرب/ ثم تنأى/ ثم تنأى كي تُرى حُلمًا/ وقد أبصرت حلمي
......
ويقول جاري/: أمس زارتنا الجميلة/ وارتأت أن نبدأ الألعاب/ من ورديّة الأطفال/ رتبنا الحصى لُعبًا/ وكانت تنحني في ثوبها الورديّ/ تعبثُ بالحصى/ وترتب الأشياء/ من بدء الحكاية للنهاية:/ هكذا سيكون:/ هذا بيتنا وسكنت فيه/ وذاك زوجي وهو يكدح أو يصلي/ أو يغار على الجميلة من مرور سحابة فوق الحمى/ أو نظرة لفتى يمر على الطريق/ ويرسل الأشعار/ كي يصل الصدى لأميرة خلف الحمى/ ويقال إن جمالها/ أعلى من الأسوار/ إن الله حين رأى بياض الثلج/ قال: يكون في وجناتها/ ورأى اخضرار العشب/ قال: يكون في نظراتها/ ورأى ترقرق نبعة الريحان/ قال يكون في كلماتها/ والنهر/ أوله من - الصافي - / وآخره على أقدامها يجري/ ويذهب في اندفاع مياهه للبحر/ ترفعه السماء إلى الغيوم/ وحين نظرت في أعلى الغيوم/ رأيت ثمّة وجه أمي/ ويقال إن الله سمّاها على اسم الرحمة الأولى/ فآمنة التي مثل الحمامة لم يشبها السوء/ ما زالت الأسماء رحمتها/ وتسحب في مدار الشمس رايتها العظيمة/ فالسلام على التي ولدت محمد (وهو نور النور)/ واغتسلت ضحى بالماء/ فانبعثت على الأشياء صورتها البهية/ فهي أول ما يُرى عند الصباح/ وآخر الأحلام عند تشابك الأحياء بالموتى.../ وقبل هلاكها...
* * *
ورأيت رؤيا:/ في الليل/ في الحلك العظيم/ وبعدما ألقيت آخر حفنة/ فوق التراب من التراب/ ولم يعد في القبر غير جمالها العاري/ رأيت فراشة في الضوء تخفق/ فاتبعت جناحها بين القبور/ وعدت نحو البيت/ كي أجد السرير/ سريرها الملكي/ مرتجفًا/ وتغمره الدموع/ وأن فراشة /حطّت هناك على السرير/ كنقطة بيضاء في الحلك العظيم/ سألت نفسي:/ هل رأيت/ وهل سمعت/ وهل تعود لكي تراني؟/ وسألت نفسي:/ أين تذهب روحها البيضاء/ كيف؟ ومن سيؤويها/ إذا ما أقفل الحفّار حفرتها/ و - رنّ المعول الحجري - في هذا الفراغ الجوهري من الزمان؟ .../ ومددت كفي... نقطة الضوء الفراشة لم تخف، وأخاف، لكن/ ليس بردًا ما يصيب أصابعي، وأخاف، لكن/ ليس حُمّى.../ فجمالها المضني على الأسلاك/ شردني،/ وقد أبصرت رؤيا:/ في الليل / في الحلك العظيم/ وعند تشابك الأحياء بالموتى/ وولولة السماء/ رأيت أمي
***
... "وأغادر مملكتي كغزال مطعون أو مغتصب/ في الحذر، وأترك أطرافي السفلى تتأكل حين تراودها الصحراء، وتبهرها/ أجراس الموت ودائرة الزمن الأولى.../ حسنًا ها أنت الآن معي/ وأنا أتأرجح فوق مدارج أشلائي/ أترنح تحت مجزرة تتقاسمني/ وترن بجمجمتي خوذ الفولاذ أضم يدي/
سقطت في القبلة خمس قرى/ حسنًا ها أنتِ الآن معي/ تترصدني حدقات الطير وتسلمني للعسكر/ قبل طلوع الفجر فأصلب قرب أبي/ وأقوم يتوجني الفقراء فأجمع كوكبة/ وخيولاً تسرجـها الأطفال فأدخل أرض/ الروم وأعلن بدء الفتح وأعلن مملكتي/ وأقيم سرادق عرسي".
****
إلى السيد الجنوب/ يمشي على الموت تيّاهًا كأن به/ من الألوهة شيئًـا ليس يخفيه/ يمشي الهوينا وقتلاه تمجده/ كأنما كل ما يرديه يحييــه/ يعلو على الغيم آنا ثم آونة/ يدنو فيصبح أدنى من معانيه/ أعطيته كل ما أوتيت من نعم/ وما ندمت فألقاني على التيـه