محمود شريح
مجدي دعيبس في روايته "قلعة الدُّروز" [ المؤسّسة العربية للدراسات و النشر ، 2022 ، في 190 صفحة من القطع الوسط ، و غلاف أنيق تصميم يوسف الصرايرة ] يقصّ سيرة واحة الصحراء، الشاسعة، ظلّ السماء على الأرض، وأنفاس الطبيعة، من منظور الواحة نفسها التي شهدت عبر الزمان الوافدين إليها والراحلين عنها، من يزيد عبد الملك الأموي إلى عجاج أبو عطا وابنه نايف، في قلعتها الكائنة في وسطها منذ بناها الرومان في نهاية القرن الميلادي الثاني ثم جاء بنو أُميّة فأقاموا فيها وأشادوا فيها ابراجاً و بركة سداسية أُقيمت حول النبع الرئيس في الواحة، إلى أن جاء الفرنسيّون الى هذه البقعة الجبليّة. وقتها تغيّرت الدنيا حين التجأ أدهم خنجر الى جبل العرب في حماية سلطان باشا الأطرش، فيوظّف الروائي دعيبس تقنيات سردية موحية تنطق بها شخوص الرواية على مدى فصولها، فإذا الرواية تقاطعات تاريخية في جغرافية واحة ثابتة، يطلّ عليها بين فينة و أُخرى خيّالة فرنسيون، فيما العمر يمضي سريعاً على شخوص الرواية.
تندلع الثورة على الفرنسيين بداية في الجبل ثم تنتقل إلى أنحاء سوريا، إلى أن كان حرق الثكنة الفرنسية في صلخد فكانت المواجهة الكبرى و قاد الثورة سلطان باشا الأطرش ونفضتْ ميسلون عن جناحيها غبارَ التعبِ، و كان زحف الفرنسيين بالدبابات على السويداء، وكانت الهجرة الجماعية و تحمسّ أهل القلعة لرؤية الوافدين إليها من أهل الجبل دفعة واحدة، ففرحوا بهم كثيراً واستمعوا الى قصصهم مع الفرنساويين، وفي القلعة أقام سلطان باشا فالسلاح نقص والذخيرة نفدت.
على هذا النحو ينسج الروائي دعيبس خيوط حبكته بتزايد سرد شخوصه وبمشاركة القارئ نفسه في استكمال خيوطها، فإذا صورة الواحة أوضح، فهي لم تمنح مع قلعتها الأمان لسكّانها وحسب، بل قدمت لهم كنزاً ثميناً كان ندرة في ذلك الزمان: إنّه الملح، ذلك المنتج الاقتصادي الطبيعي الذي ربط الناس بمحيطهم، و بالعاصمة و أسواقها و ريفها و بواديها و ثوراتها الشعبية في وجه العثمانيين و الفرنسيين.
رواية مجدي دعيبس "قلعة الدُّروز" سيرة تقلبّات جغرافية وتاريخية في ظلّ ثورات وطنية، فاذا واحة الأزرق هذه في رأي د.سليمان الأزرعي تفصح عن ذاكرتها كسبخة مثلها مثل نبتة أزهرت في صحراء بلقع فاحتضنت الطير والحيوان والإنسان والعمران، في أسلوب سرديّ آخاذ يفصح عن مُشتبك علاقات تاريخية في جغرافية سوريا الحديثة.