استفاق العالم مطلع الأسبوع على مجزرة جديدة من صناعة إسرائيل سقط ضحيّتها أكثر من 45 نازحاً فلسطينياً أعزل و249 جريحاً، جلّهم من الأطفال والنساء الذين فرّوا من جحيم الحرب المستمرّة منذ نحو 8 أشهر في غزّة، وسكنوا خيماً قرب مقرّ للأمم المتحدة في منطقة ادّعى الجيش الإسرائيلي بأنّها "آمنة".
ما وصفه ناشطون مؤيّدون للفلسطينيين بـ"المحرقة" الجديدة، كان له وقع صادم بعدما انتشرت صور النيران التي اشتعلت في خيم النازحين بتلّ السلطان وأحرقتهم أحياء.
تزامن هذا الحدث مع ثلاثة تطوّرات أساسيّة مرتبطة بالحرب: القرار الصادر عن محكمة العدل الدولية القاضي بوقف الهجوم الإسرائيلي على رفح فوراً، والأنباء عن العودة إلى طاولة المفاوضات في القاهرة وتقديم طرحين إسرائيليين للوسطاء، وإعلان "كتائب القسام" أسر جنود إسرائيليين جدد بعمليّة مركّبة في مخيّم جباليا.
وبناء عليه، فإن محاولة الجيش الإسرائيلي تبرير ما فعل بأن هدف الغارة كان "قيادات في حركة حماس لكنّها أدت لاندلاع حريق قتل مدنيين"، لم تقنع متابعين لمسار الحرب والمفاوضات.
3 رسائل
وفي هذا السياق، يشير الباحث في الشؤون الإسرائيليّة أليف صباغ، في حديث لـ"النهار العربي"، إلى أنّه "عشيّة كلّ جولة مفاوضات ترتكب حكومة بنيامين نتنياهو المجازر"، وهي أرادت توجيه 3 رسائل جراء هذه المجزرة:
الرسالة الأولى تحمل تحدّياً صارخاً للمجتمع الدولي المتمثّل بالأمم المتحدة، واستهتاراً بقرارات محكمة العدل الدولية التابعة لها". ويعتبر صباغ أنّ إسرائيل جدّدت التأكيد على رفضها الرضوخ لأي ضغوط قانونية أو سياسية لوقف الحرب على غزة قبل تحقيق الأهداف المُعلنة، وهذا ناتج عن "شعور الإسرائيلي بالاستكبار تجاه الشعوب الأخرى والدعم الأميركي المطلق له".
الرسالة الثانية موجّهة لمفاوضي "حماس" من خلال الضغط على البيئة الحاضنة للحركة، بهدف نيل موافقتهم على هدنة موقتة وتبادل للأسرى بدلاً من وقف دائم لإطلاق النار، وذلك مع اقتراب انطلاق جولة جديدة بعد اجتماع رباعي عُقد في باريس لهذا الغرض.
ويقول متابعون إنّ هناك رسالة ثالثة أراد نتنياهو توجيهها للداخل الإسرائيلي، وخاصة لمعارضي سياسة حكومته وعائلات الأسرى الذين يطالبون بوقف الحرب وعقد صفقة تبادل فورية مع "حماس"، مفادها أنّ هذا لن يحصل، خاصة في ظلّ استمرار وجود عناصر الحركة في مختلف مناطق القطاع، بدليل عمليّة الأسر الجديدة في الشمال، ما يشكّل "خطراً على إسرائيل" بحال الموافقة على وقف دائم للنار في هذه المرحلة.
ويرى صباغ أنّ معارضي نتنياهو من الإسرائيليين "يجب أن يكونوا حذرين"، مذكّراً بأنّ رئيس الحكومة الإسرائيليّة اعتبر منذ إطلاقه العمليّة العسكريّة على غزّة أنّها "حرب يشوع بن نون، القائد العسكري الذي مُنح الإذن من النبي موسى ليدخل أرض كنعان، بحسب الرواية اليهودية".
"خطأ العودة للمفاوضات"
وعلى الأساس نفسه، يشدّد صباغ على أنّ نتنياهو "لا يريد أن يرى أي فلسطيني في غزّة بعد الحرب، لذا فإنّ خطط الإبادة والتهجير" لا تزال تسلك مجراها.
ويضيف: "طالما أنّ عنوان المفاوضات الجديدة التي أعلنت عنها إسرائيل هو الهدنة وليس وقف الحرب فمن الخطأ العودة إلى طاولة المباحثات"، ويلفت إلى أنّ المفاوضات يجب أن تتمّ عن طريق الأمم المتحدة، مستغرباً بشدّة "اعتبار الولايات المتحدة وسيطاً رغم أنّها طرف في العدوان وليست راعية سلام".