بعد أن كان محدوداً نسبياً مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى، يتزايد الجدل على الساحة السياسية الإسبانية بشأن الهجرة غير النظامية مع ارتفاع أعداد المهاجرين الوافدين إلى جزر الكناري.
وقد ساهمت في إشعال النقاش تصريحات رئيس الوزراء الاشتراكي بيدرو سانشيز خلال زيارته هذا الأسبوع لثلاث دول في غرب إفريقيا، فضلاً عن رغبة المعارضة اليمينية في استخدام الموضوع الحساس.
بالنظر إلى تاريخ إسبانيا التي كانت بلد هجرة لفترة طويلة، لم يكن لهذه المسألة قط الوزن السياسي نفسه كما هو الحال في فرنسا أو ألمانيا أو بريطانيا.
لكن الأمور بدأت تتغير مع الزيادة الكبيرة هذا العام في عدد المهاجرين الذين يبحرون من سواحل غرب إفريقيا على متن قوارب مزدحمة، وينزلون يومياً في أرخبيل جزر الكناري الصغير. وقد تجاوز عددهم 22 ألفاً منذ بداية العام، مقارنة بأقل من 10 آلاف في الفترة نفسها من العام الماضي.
وحالة الطوارئ هذه هي التي قادت سانشيز الى جولة بين الثلاثاء والخميس شملت موريتانيا وغامبيا والسنغال، وهي البلدان الثلاثة التي يبحر منها المهاجرون لكنها لا تملك الوسائل اللازمة لمنعهم.
ودافع رئيس الحكومة الإسباني عن فكرة الهجرة "الآمنة والمنظمة والنظامية"، لا سيما من خلال اتفاقات "الهجرة الدائرية"، أي إرسال عمال مؤهلين إلى إسبانيا بحسب حاجاتها الاقتصادية- وخصوصا العمال الزراعيين الموسميين- على أن يعودوا إلى بلادهم إثر انتهاء عقودهم.
لكن هذه الأداة غير كافية على الإطلاق بالنظر إلى الوضع في جزر الكناري.
"ضرورة"
في موريتانيا، وجه بيدرو سانشيز رسالة إيجابية، مؤكداً أن مساهمة المهاجرين في الاقتصاد الإسباني "أساسية" وأنها مرادفة "للثروة والتنمية والازدهار".
وأضاف أن الهجرة "ليست مشكلة" بل "ضرورة تصاحبها مشاكل معينة".
لم يتأخر زعيم الحزب الشعبي (يميني محافظ) ألبرتو نونيس فيخو في الرد على هذه التعليقات، واتهم الأربعاء عبر منصة إكس سانشيز بـ"الترويج لإسبانيا كبلد مضيف" وذلك "على عكس الدول الأخرى في الاتحاد الأوروبي".
بعد ساعات، كانت تعليقات سانشيز في دكار مختلفة تماما عن تلك التي أدلى بها في نواكشوط، كما لو كان يرد على هجوم فيخو.
وأشار إلى أن مافيا المهربين التي تنظم عبور المهاجرين تقيم في بعض الأحيان علاقات مع شبكات إرهابية أو تجار مخدرات، مشدداً على أن الأمن يمثل "أولوية قصوى"، واعتبر أن "عودة أولئك الذين قدموا إلى إسبانيا بشكل غير قانوني... أمر لا غنى عنه"، أي بعبارة أخرى طردهم.
"متناقض"
ترى المحللة كريستينا مونج في تصريح لوكالة "فرانس برس" أن تصريحات الزعيم الإسباني "متناقضة بعض الشيء"، معتقدة أنه حاول إيجاد نوع من التوازن.
وتضيف أن مداخلته الأولى كانت من "منظور أوروبي، منظور حقوق الإنسان"، لكنه عندما يتحدث عن عمليات الطرد فإن "ما يكسبه من اليمين، يخسره من اليسار".
وفي ما رحب الحزب الشعبي بسخرية بتركيز سانشيز المفاجئ على الأمن، فإن اليسار الراديكالي المشارك في الائتلاف الحاكم عارضه على الفور.
وعلّقت وزيرة العمل يولاندا دياز، الشخصية الثالثة في الحكومة، عبر منصة "إكس" قائلةً إنَّ "اتباع وصفات الهجرة اليمينية نفسها هو فشل وخطأ"، من دون أن تسمّي سانشيز.
من المتوقع أن يزداد الجدل إذا استمر عدد المهاجرين الذين يصلون إلى جزر الكناري في الارتفاع، وخصوصا أن الحزب الشعبي قد شدد مواقفه بشأن هذا الموضوع، ويوائم خطابه بشكل متزايد مع خطاب حزب فوكس اليميني المتطرف المناهض للهجرة.
لكن من الناحية العملية، يعلم سانشيز جيدا أن عمليات الطرد المحتملة تتطلب موافقة البلدان الأم، وهو أمر ليس يسيرا بشكل عام.