الخميس - 04 تموز 2024

إعلان

لماذا تزداد مؤشرات التصعيد لا التهدئة في أوكرانيا؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
 أوكرانيا (أ ف ب).
أوكرانيا (أ ف ب).
A+ A-
"مسؤولٌ من (دولة) حليفة أطلسيّة يقول لي إنّ الرئيس بايدن أخبرهم اليوم (الجمعة) أنّ الولايات المتحدة تعتقد أنّ (الرئيس الروسي) فلاديمير بوتين قرّر مهاجمة أوكرانيا. الأسبوع المقبل".

انضمّت هذه التغريدة للإعلامية في شبكة "سي أن أن" كريستيان أمانبور للعديد من البيانات والتحليلات التي تتوقع اقتراب غزو روسيّ لأوكرانيا. لكنّ روسيا نفت مراراً وجود نيّة كهذه. مساء الخميس، دعا بايدن الرعايا الأميركيين المقيمين في أوكرانيا للمغادرة سريعاً قائلاً إنّه لن يرسل قوات عسكرية لتنفيذ عمليات الإجلاء خوفاً من إشعال حرب عالمية. ووجّهت الخارجية الأميركية دعوة مماثلة في الوقت نفسه. دول غربية عدة أصدرت بيانات مشابهة إلى رعاياها كالمملكة المتحدة واليابان ولاتفيا والنروج وهولندا.

وصعّد مستشار الأمن القوميّ جيك سوليفان تحذيراته الجمعة قائلاً إنّ غزواً قد يحصل قبل نهاية دورة الألعاب الشتوية التي تستضيفها بكين والتي تنتهي في 20 فبراير (شباط) الحالي. وأضاف أنّ الغزو قد يحصل خلال أسبوع أو حتى خلال يومين.

وأضافت أمانبور في تغريدتها أنّ مسؤولاً أوكرانياً مقرباً من تفكير الحكومة قال لـ"سي أن أن" إنّ "الوضع خطير فعلاً وليس يقينيّاً" مشيرة إلى أنّ هذا الأمر هو تغيير ملموس في النبرة الأوكرانية. وكان المسؤولون الأوكرانيون، وفي مقدّمهم الرئيس فولوديمير زيلينسكي قد دعوا الغربيّين خلال الأسابيع القليلة الماضية إلى التهدئة تخوّفاً من إثارة ذعر في غير مكانه، مع ما ينتج عنه من تداعيات على الوضعين الماليّ والنقديّ. وكرّرت الخارجية الأوكرانية اليوم "التحلي بالهدوء".

بالرغم من ذلك، ذكرت أمانبور أنّ سوليفان قال للوسيلة الإعلامية نفسها إنّ "نظرتنا هي أننا لا نعتقد أنّه (بوتين) اتخذ أي نوع من أنواع القرار النهائي، أو أننا لا نعلم أنه اتخذ أي قرار نهائي، ولم نبلغ ذلك لأي أحد...".

الجهود الديبلوماسية المكثفة... سيف ذو حدين

خاض الغرب مفاوضات طويلة لإنهاء التوتّر على الحدود مع أوكرانيا. عقد بايدن وبوتين قمتين السنة الماضية. وأجرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خمسة اتصالات هاتفية ببوتين منذ كانون الأول (ديسمبر) وقد استضافه بوتين في الكرملين يوم الاثنين الماضي. وزار المستشار الألماني أولاف شولتز البيت الأبيض في اليوم نفسه، كما استقبل مسؤولين من دول البلطيق. وعقدت ألمانيا وفرنسا وروسيا وأوكرانيا اجتماعاً الخميس لمناقشة اتفاقيتي مينسك من دون تحقيق أيّ خرق.

في 17 كانون الأول (ديسمبر) طالبت موسكو بـ"ضمانات أمنية" تتمحور حول عدم توسّع "الناتو" شرقاً بما يعني امتناعه عمليّاً عن ضمّ أوكرانيا وجورجيا إلى صفوفه، وحول تحجيم التدريبات العسكرية الأطلسيّة وتراجع انتشار قوّاته إلى ما كانت عليه سنة 1997. وناقشت روسيا هذه المطالب مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ومنظمة الأمن والتعاون في النصف الأول من كانون الثاني (يناير)، لكنّ المجتمعين لم يخرجوا بأيّ نتيجة. فقد رفض الغرب التباحث في ما اعتبره قضايا داخلية وحقّ الدول بالانضمام إلى الأحلاف التي ترغب بها.

إن كان تكثيف هذه الجهود الديبلوماسية مطلوباً لخفض النزاع بين الطرفين، فسلبيّتها تكمن في أنّ استغراقها وقتاً طويلاً من دون أيّ تقدّم ملموس ولو كان بطيئاً يجعل من تراجع أيّ طرفين عن مطلبه "انتكاسة" سياسية له.
 
 حسابات بايدن وبوتين

ليس مرجّحاً أن يكون بايدن قادراً على تقديم تنازل لروسيا يرتبط بـ"سيادة" حلف شمال الأطلسيّ. من جهة أولى، وبالرغم من محورية الولايات المتحدة المالية والعسكرية في الحلف، يصعب على واشنطن تقديم تنازل كهذا من دون التشاور مع الحلفاء. قال بايدن إنّ "أميركا عادت" إلى الساحة الدولية في إشارة إلى اعتراف واشنطن بأهمية أخذ مصالح الحلفاء بالاعتبار عند صياغة قرارات مفصليّة. أخطأ بايدن مع الحلفاء عندما عقد اتّفاق "أوكوس" كما عندما اتخذ قرار الانسحاب من أفغانستان من دون التشاور معهم. من المنطقيّ ألّا يكون راغباً بتكرار خطأ مشابه في هذا التوقيت. من جهة ثانية، لا يستطيع الرئيس الأميركيّ البروز بمظهر الضعيف في مواجهة بوتين أمام منافسيه الجمهوريين خصوصاً، وأمام الأميركيين عموماً. فتأثير القرارات الخارجية على شعبية الرئيس الداخلية ليس ثانوياً كما كان متصوّراً قبل الفوضى الأفغانية.
 
 ولا يجد بوتين نفسه في موقع مريح لو تراجع عن مطالبه. رأى مدير برنامج روسيا وأوراسيا في "مركز كارنيغي" يوجين رومر أنّ الرئيس الروسيّ رفع سقف التحدّي عالياً فحصر نفسه بين خيارين: التصعيد وشنّ الحرب أو التراجع "والشعور بالإهانة". الاتفاق الوحيد الذي حصل عليه بوتين بحسب رأيه هو مواصلة الحوار في وقت واصل الحلفاء إرسال المزيد من المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا وتعزيز وجودهم العسكريّ في شرق أوروبا بصرف النظر عن كيفيّة حل الأزمة.
 
 الكرة في ملعبه

يصعّب هذان الخياران تحقيق أيّ خرق في المستقبل المنظور. ربّما كان هذا أحد العوامل المساهمة في تصعيد التحذيرات والتوقعات الغربية بحدوث غزو روسيّ، إلى جانب استمرار حشد موسكو قوّاتها بالقرب من الحدود مع أوكرانيا. تشير بعض الأرقام إلى أنّ عديد القوات الروسيّة على الحدود الأوكرانية وصل إلى أكثر من 140 ألفاً، وهو الحشد الروسيّ الأكبر الذي شهدته أوروبا طوال نصف قرن. في الوقت نفسه، تجري روسيا تدريبات عسكرية في روسيا البيضاء، وفي البحر الأسود، أي شمال وجنوب أوكرانيا إضافة إلى الحشد على حدود أوكرانيا الغربية، وهي عمليّة تشكّل شبه حصار على أوكرانيا. وتوقّع الباحث البارز في "معهد أبحاث السياسة الخارجية" روب لي أن تكون الاستعدادات اللوجستيّة والعسكريّة لشنّ الحرب قد اكتملت بحلول 9 شباط (فبراير)، أي منذ ثلاثة أيام.
 
من المتوقّع أن يتباحث بايدن وبوتين، ووزيرا خارجيتيهما أنتوني بلينكن وسيرغي لافروف، التطورات بشأن الوضع الأوكرانيّ اليوم السبت في محاولة قد تكون الأخيرة لسحب فتيل الانفجار. لن يعرف أحد قبل ذلك ما احتمالات نجاح هذه المحاولة وما إذا كان أيّ من الجانبين مستعدّاً للتنازل. لكن بحسب رومر على الأقل، باتت الكرة الآن في ملعب بوتين.
 
نقلاً عن "النهار العربي".
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم