الجمعة - 12 تموز 2024

إعلان

بوتين في انتظار الانتخابات الفرنسية

المصدر: "النهار"
جيرار ديب
جيرار ديب
تعبيرية.
تعبيرية.
A+ A-
توجّه الناخبون الفرنسيون إلى صناديق الاقتراع الأحد 10 نيسان 2022، لانتخاب رئيس يقود البلاد للسنوات الخمس المقبلة. انتخابات تنافس عليها مجموعة مرشحين في الدورة الأولى للوصول إلى قصر الإليزيه، أبرزهم الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون، وزعيمة الحزب اليميني المتشدد مارين لوبن، إضافة إلى مجموعة من المرشحين، على رأسهم إريك زمور صاحب البرنامج الذي يحمل أفكاراً أكثر تطرفاً بحق الأجانب في فرنسا.

كما كان متوقعاً، لقد فاز الرئيس ماكرون بنسبة 28.1% من أصوات الناخبين من الجولة الأولى، حيث سيواجه زعيمه اليمين المتطرف لوبان التي حلّت في المرتبة الثانية، بنتيجة 23.3% من الأصوات، في الجولة الثانية الحاسمة في 24 نيسان.

أهمية الانتخابات الفرنسية ليست في من سيصل إلى سدة الرئاسة، بل تكمن في كيف ستكون مواقف سياسة فرنسا الخارجية في ظل حرب قائمة بين الغرب وروسيا على أرض أوكرانيا. لهذا ينتظر 24 نيسان بذات حماسة الفرنسي، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يرى في وصول لوبن فرصة لكسر الموقف الأوروبي شبه الموحّد في عقوباته وعزلته لبلاده. وهناك الأوكراني الذي يبدي تخوّفاً من وصول لوبن بسبب اعتبارها حليفة روسيا، ما قد ينعكس ذلك في وقف مساعدة فرنسا لبلاده.

رغم اعتبار ماكرون راديكالياً – براغماتياً في التعاطي مع مختلف الأحداث والقضايا الداخلية التي مرّت ضمن ولايته الأولى حيث تميّز بموضوعية في معالجتها. إلّا أنه كان متطرفاً في السياسة الفرنسية الخارجية، وتحديداً في ما يحدث اليوم في أوكرانيا. لقد أخذ الموقف المنحاز كلياً إلى جانب أوكرانيا في مواجهة روسيا، وجعل من بلاده رأس حربة في الدفاع عن مصالح أوروبا ودعا الدول لفرض العقوبات على القيادة الروسية. لهذا تتخوّف الخارجية الفرنسية من أيّ تدخّل روسي في انتخابات الجولة الثانية، هذا ما ورد في بيانها الأخير، الذي تدين فيه روسيا على التجسّس والتدخل في الشؤون الداخلية لفرنسا، حيث طُرد ستة عملاء روس وصفتهم بأنّهم يعملون ضد مصالح فرنسا.

في الوقت الذي يحارب فيه الرئيس بوتين القوميين في أوكرانيا، على حدّ زعمه، ينظر بأهمية قصوى إلى نتائج الانتخابات الفرنسية لوصول القومية اليمينية المتطرّفة لوبن. فلا شكّ هو بحاجة إلى متنفّس جدّي في علاقات بلاده الخارجية، التي عزلت بعد العقوبات الغربية غير المسبوقة وغير المتوقعة بحجمها وسرعة فرضها على روسيا، بسبب حربه على أوكرانيا.

رغم أن الحرب لم تزل مستمرة في أوكرانيا، لم تستطع روسيا تحقيق انتصار حقيقي لها في الميدان تحاكي به الجماهير يوم النصر الوطني في 9 أيار. لهذا تسارعت التحركات الروسية في أوكرانيا لحسم معركة ماريوبول، لعلّها تقدم نصراً ميدانياً تعلنه للشعب الروسي، وذلك بعد مرور أكثر من شهر على حصار المدينة الاستراتيجية الواقعة في جنوب أوكرانيا، فيما ينذر باقتراب معركة شرق البلاد التي أصبحت موسكو ترتكز عليها، وفق مؤشرات تحركاتها العسكرية الأخيرة.

عزلة غير مسبوقة تعيشها روسيا، وخسائر كبيرة في اقتصادها خصوصاً بعد توجه الدول الغربية وعلى رأسها ألمانيا وفرنسا إلى التخلي كلياً عن الغاز الروسي، المصدر الوحيد – غير الردع النووي - لبوتين كورقة يستطيع الضغط بها على الغرب.

لهذا، لا تخفي القيادة الروسية رغبتها في فوز لوبن (القومية المتشددة) على الرئيس الحالي ماكرون، رغم حظوظ الأخير الكبيرة بتجديد ولايته. ورغم أن ماكرون لم يستطع تحقيق الكثير على المستوى الوطني كما لم يستطع أن يكسب قلوب الجزء الأكبر من الفرنسيين، رغم القضايا الشائكة التي حصلت في ولايته، من أزمة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلى حريق كاتدرائية نوتردام في باريس، إلى جائحة كورونا وتبعاتها السياسية والاجتماعية، وصولاً إلى حرب أوكرانيا.

صحيح أن الرئيس ماكرون قد أعلن في حديث نقلته وكالة "تاس" الروسية أنه على "كامل الاستعداد بلاده للقيام بدور الضامن في إحلال السلام في أوكرانيا"، إلا أن بلاده في الوقت الحالي تأخذ طرفاً إلى جانب أوكرانيا، وتفرض عقوبات على مختلف الصعد على روسيا، كما تُعدّ رأس حربة في مواجهة روسيا في الحرب الأوكرانية.

يرى المراقبون أنه لا يمكن استبعاد احتمال أن تحقق لوبن، اليمينية المتشددة، مفاجأة في الانتخابات الرئاسية، مشيرين في المقابل إلى أن فوزها سيشكل أزمة كبيرة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي على السواء، اللذين يحاولان فرض التماسك لمواجهة الخطر الروسي الداهم.

لقد حذّرت صحيفة الـ"إندبندنت" البريطانية من أن "رئاسة لوبن المحتملة لفرنسا سيكون لها تأثير كبير على الشؤون العالمية". فهي بحسب الصحيفة، حليفة قوية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتعهّدت بإخراج فرنسا من "منطقة النفوذ الأميركي"، ولوّحت بالخروج من خلف الناتو. كما تُعدّ شعبوية يمينية متطرفة تتبنّى آراءً عنصرية ومعادية للمهاجرين، رغم خطاباتها الأخيرة التي قرأ فيها بعض المتابعين أنها متغيّرة بلهجة ألطف وأكثر ليونة مع الإسلام والمهاجرين عموماً.

إن التخوف من وصول لوبن إلى سدة الرئاسة عند الغرب والأوكرانيين، يوازي حماسة بوتين لنجاحها في الجولة الثانية، كيف لا، وهي المتحالفة مع رئيس الوزراء المجري اليميني المتطرف فيكتور آوربان، الذي أعيد انتخابه أخيراً، والذي يُعدّ حليف بوتين وصاحب المواقف المعارضة لسياسات الغرب تجاه روسيا.

أخيراً، قد تجري الرياح بما لا تشتهي سفن بوتين في غزوته لأوكرانيا، حيث أظهر استطلاع للرأي أجرته شركة إيبسوس، فوز ماكرون بنسبة 54 في المئة، إذ إن وصول ماكرون سيزيد من عزل روسيا دولياً ويبدّد لبوتين أحلام كسر الطوق والعزلة، الأمر الذي سيدفع بجيشه للتفتيش عن نصر ما في شرق أوكرانيا في مقاطعة دونباس يخرج به لإعلانه في يوم النصر. لهذا، سيكون الهجوم الروسي الوشيك في شرق أوكرانيا، بعد إعلان النتائج الانتخابية الفرنسية، كي يتأكد من المنتصر فيه، وعلى أساسها يتحرك جيشه، إما هجوماً وإما مهادنة.
ا

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم