الرئيس الأميركي حو بايدن (أ ف ب).
تبدّل الحال تماماً عمّا كان عليه بالنسبة للرئيس الأميركي جو بايدن في شباط 2023، عندما ظهر وهو يتنزّه بثقة في شوارع كييف معتزّاً بدوره كمدافع عن القضية الأوكرانية في مواجهة نظيره الروسي فلاديمير بوتين.
وبعد عام تقريباً على هذا المشهد، يواجه الرئيس الأميركي اليوم واقعاً صعباً، فيما يسعى للفوز بولاية ثانية إذ يبدو غارقاً في حرب يطرأ الجمود على جبهاتها، بينما يُنذر النزاع في غزة بإشعال الشرق الأوسط بأكمله في أي لحظة.
وامتدّت بالفعل الحرب بين إسرائيل و"حماس" إلى البحر الأحمر وخليج عدن حيث يهاجم الحوثيون اليمنيون المدعومون من إيران سفناً في المنطقة، فيما استهدفت مجموعات مسلّحة أخرى مؤيّدة لطهران القوات الأميركية في سوريا والعراق. وفي الحالتين، ردّت الولايات المتحدة بتنفيذ ضربات انتقامية.
ورغم أنّها ليست في حالة حرب عمليّاً، إلّا أنّ الولايات المتحدة تجد نفسها منخرطة عسكريّاً على عدة جبهات، فضلاً عن أزمة الهجرة التي تواجهها عند الحدود مع المكسيك، وهي عوامل لا تخلق مجتمعة بيئة مواتية لبايدن فيما يكثّف حملته على أمل إعادة انتخابه في تشرين الثاني.
ولعلّ الأسوأ من ذلك كلّه بالنسبة للرئيس الديموقراطي البالغ 81 عاماً هو أن خصمه الجمهوري المحتمل، الرئيس السابق دونالد ترامب، استخدم حالة عدم الاستقرار الدولية سلاحاً لمهاجمة ما اعتبره ضعف بايدن.
"شعور بعدم الاستقرار"
في هذا السياق، تؤكد المستشارة الديموقراطية ميليسا دي روزا، أنّ "الشعور بعدم الاستقرار الناجم عن هذه النزاعات، فضلاً عن قضية الحدود، سيلعب دوراً في هذه الانتخابات".
وقالت "أعتقد أن الأمر سيمثّل مشكلة بالنسبة لجو بايدن" وسيكون "أمراً يواصل ترامب التركيز عليه" لا سيما أزمة الهجرة التي وصفتها بأنها تمثّل "كعب أخيل" بالنسبة للرئيس مع دخول أعداد قياسية من المهاجرين إلى الولايات المتحدة في الأشهر الأخيرة.
لم تلعب السياسة الخارجية تاريخيّاً غير أدوار صغيرة في حملات الانتخابات الرئاسية الأميركية ويستبعد أن يختلف الوضع في 2024، ما لم تطرأ أي تطورات كبيرة.
لكن ترامب الذي يبدو في طريقه لنيل بطاقة ترشيح الحزب الجمهوري يستغل هذا القلق حيال الضبابية على المستوى العالمي ليصب في مصلحته، وهي رسالة تلقى آذاناً صاغية في أوساط أنصاره.
وقال المعماري المؤيد لترامب في نيوهامبشر، والبالغ 72 عاماً، توني فيرانتيلو، لـ"فرانس برس"، إنّ "الكيانات الأجنبية تحترم (ترامب) وتهابه أكثر من الشخص الذي يترأس البيت الأبيض حاليّاً".
تؤكّد معدلات التأييد لسياسة بايدن الخارجية صعوبة وضعه إذ أفاد 58 في المئة بأنهم لا يؤيّدون طريقة تعامله مع الشؤون الخارجية مقارنة مع 36 في المئة يؤيّدونها، وفق معدل استطلاع أجراه موقع "ريل كلير بوليتيكس" RealClearPolitics في كانون الأول وكانون الثاني.
بالتالي، فإنّ الوضع غير مريح بالنسبة لبايدن الذي يُسوّق لنفسه على أنه مخضرم في السياسة الخارجية على اعتبار أنه قضى ثماني سنوات وهو يتعامل مع قادة العالم عندما كان نائباً للرئيس السابق باراك أوباما وتولى عدّة مرّات منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ.
كما أنّ بايدن يتباهى بكونه أعاد إحياء التحالفات الدولية، بما في ذلك مع حلف شمال الأطلسي وفي آسيا، بعدما قضى الجزء الأكبر من حملته عام 2020 متعهّداً "إعادة" الولايات المتحدة إلى الساحة الدولية بعد سنوات حكم ترامب التي طغت عليها النزعة الانعزالية.
دعم إسرائيل
لكنّ الصعوبات المرتبطة بحرب أوكرانيا تخيّم على بايدن الذي حاول تصوير نفسه كزعيم ائتلاف واسع من عدة دول يدعم كييف بعد الغزو الروسي في 2022، مع تجنّبه أي مواجهة مباشرة بين واشنطن وموسكو.
واليوم، بعد مرور عامين، يجد نفسه مضطرّاً لمواجهة التململ في أوساط النواب والناخبين الذين يشككون في جدوى مواصلة تحمّل عبء تكاليف دعم أوكرانيا عسكريّاً في غياب أي نتائج تذكر.
وفي الكونغرس، يربط المعارضون الجمهوريون مواصلة دعم أوكرانيا بتشديد سياسات الهجرة عند حدود الولايات المتحدة الجنوبية كمقابل.
ويعقّد دعم بايدن الثابت لحرب إسرائيل ضد "حماس" في غزّة الأمور أكثر إذ أن موقفه هذا قوبل بانتقادات حادة من أنصاره وآخرين إلى اليسار.
قاطع متظاهرون مؤيّدون للفلسطينيين خطاباً لبايدن عن حقوق الإجهاض عدّة مرّات الثلثاء، علماً بأنّ بايدن يركّز بشكل كبير على هذه القضية في حملته للفوز بولاية ثانية.
وقد تعود هذه القضية لتسدّد ضربة له في تشرين الثاني في ولايات متأرجحة مهمة (تصوّت أحياناً للجمهوريين وأحياناً أخرى للديموقراطيين) مثل ميشيغان التي تضم عدداً كبيراً من السكان العرب والمسلمين، كما أنّها قد تكلّفه أصوات شريحة كبيرة من الشباب.
ويضاف إلى ذلك كلّه احتمال اشتعال جبهة أخرى هي كوريا الشمالية فيما يرتفع منسوب التوتّر بينها وبين جارتها المتحالفة مع واشنطن، كوريا الجنوبية.
وحذّر فيكتور تشا، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، أن "تتّجه كوريا الشمالية لزيادة الاستفزازات خلال سنوات الانتخابات الأميركية".