"طريق الزعتر": دريكّة وحلوى الشوفان وزيت الزيتون اللبناني إلى بلاد العم سام بكبسة زرّ!

سوق افتراضيّة تطلّ علينا عبر الإنترنت من أميركا الشماليّة.

والمُزارع والحرفيّ "يجبلان" اللبنة "المتوّمة" والكبيس الحارّ كقصّة حُب تلك السنة، مع الوصفات التي تتوارثها الأجيال بلا تعب أو ملل... "بس ما تقولي للمفحّلة كوثر إنّي ضفتلّا لوصفة المقلوبة يللي سرقتها من رفقة السكرجيّة، كم ورقة حبق ورشّة سمّاق".

سوق مُخصّصة للاحتفال بالمُزارعين والحرفيين في لبنان. والمشهّيات النادرة التي تنبثق من مطبخ هذا الحرفي المنسيّ فوق في قرية نائية لا يزورها إلا غُراب النسيان، وذاك المُزارع الذي كرّس يوميّاته للأرض وحصادها، تتحوّل احتفالات "على حيلها" في مطابخ المُغتربين.

و"سفرة طيّبة" تُعيد إلينا الأيام التي سلّمنا جدلاً بأنها لن تغدر بنا وترحل.

ولكنها كانت أكثر حنكةً ممّا توقعنا.

"سفرة طيّبة" مؤلّفة من "خيرات بلادنا" وإن كنّا نتأرجح في قسوة الغربة.
 


مايا الهاشم تعشق بلدها الأم الذي هاجرت زلازله التي "لا تنضب"، إلى بوسطن، منذ سنوات طويلة، ومع ذلك ما زالت تعشق "ترابه"، وتُريد بأيّ ثمن أن تُعزز دور تُراثه الحرفيّ.

والزعتر رحلة طويلة مع الذكريات التي نأخذ بريقها الموجع معنا أينما حللنا.
و"موسم الهجرة إلى الذكريات" (بالإذن من الحبيب الطيّب صالح)، يحلّ بين طرفة عين ونظرة جانبيّة.

خلقت مايا هذه السوق – المنصّة، لكي تكون صلة الوصل بين المُزارع والحرفي المُنتشر في جميع المناطق اللبنانيّة والبائع المُنتشر في مختلف أنحاء العالم.

والزعتر قصّة حُب "مجبولة" بتوابل حياتنا، نتناولها مع "منقوشة الصبح"... و"ما تنسى لفّة (على الطريقة الكورانيّة!) الزعتر قبل ما تُطلع من البيت. الزعتر بيفتّح الدماغ، وهيك ما حدن بيستقوي عليك".

وُلدت مايا وسط الجبال، فوق، في مكان في هذا البلد الذي تتقاذفه أمواج الحقد.
وسوق تُقدّم لنا المُنتجات النادرة والشهيّة حتى الخطيئة، نحصل عليها مُباشرةً من المُزارعين والحرفيين في هذا البحر الأبيض المتوسط الساحر الذي يعيش انقلابات وحروباً حوّلها التاريخ قصص حُبّ تنسجها الحضارات منذ آلاف السنين. والناس يُشاركون حصادهم الشهيّ الذي ينصهر فيه التعب والمجهود لتأمين "لقمة اليوم"، ويمتزج مع التوابل. و"سفرة طويلة عريضة" تحضر "بكم دقيقة" فور أن يطلّ الضيف.
 


وZa’atar Road تُقدّم للحرفي الماهر الذي يحوّل الأرض كاتم أسراره والمؤتمن على صيحات عرق جبينه، سوقاً عالميّة.

الزعتر، هذا العشب الذي "تحلو" معالجته يدوياً أثناء الطهو، هو العنصر الأساسي بالنسبة للبعض (أولهم أبي الكورانيّ!) في خليط البهارات.

الحديث مع مايا الهاشم إلى بوسطن، طويل، مُمتع، مجبول بالنوادر الصغيرة التي هي في الواقع "قصّة كبيرة".

انبثقت فكرة Za’atar Road، كما تروي لي، من كونها، ككُثر غيرها، هاجرت البلد لمختلف الأسباب. واكتشفت أن المُغترب "أينما يحلّ، يأخذ معه المونة التي تُذكّره ببلده. الزعتر من أرض العائلة، على سبيل المثال، لملء حجر المؤن برائحة الوطن".

تلك الرائحة المجبولة بـ"نقار الصباحيّات" العاديّة. وثرثرات "المسويّات" حول فنجان قهوة و"كعكة العصرونيّة". بالنسبة إلى مايا، كل مُغترب يبني ملاذه الصغير الذي يرسم جدرانه بألوان الأمان الذي حمله معه من بلده الذي هاجره قسراً.

فكانت فكرة رسم طريق افتراضيّة توصل لبنان بالغرب ليتمكن الجميع من أن يتذوّقوا مشهّيات قُراه. وتبقى أهميّة المشروع – الحدث، "الناس. أعشق لبنان وشعبه بقدرته على تقديم الأفضل. أعشق الأرض الكريمة، التي تُهدي لنا التين، والزيتون، والرمّان. أعشق رائحة الزعتر والمريميّة في بلدان البحر الأبيض المتوسّط. رائحة الياسمين التي تستقبلنا في المنازل القرويّة. النُزهة في أيّ قرية هي في الواقع تجربة حسيّة".

شغف الناس في "لبناننا"، وهذا الـJoie De Vivre.
 


أبناء لبنان والبلدان المُجاورة، كما ترى مايا، يملكون "قدرة على التلذذ بالحياة، لا مثيل لها. يعيشون كل لحظة وكأنها الأخيرة".

ومايا زارت لبنان أخيراً لتُطلق هذه المبادرة التي ستوصل المزارع الشرق أوسطي بالعالم بأسره، "نظرت إلى الناس. وحدّقت في قدرتهم على تخطّي كلّ هذه المآسي والتحدّيات. هذا الجوع الذي لا يعرف حداً للحياة الجميلة The Good Life".

لمايا الكثير من الآمال في ما يتعلّق بهذه المغامرة التي تخوضها بفرح مُطعّم بعشقها للحياة. "خلق سوق كبيرة للمنتجات المصنوعة بحب في هذه المنطقة التي أحبّ. منتجات تعكس جمال البلد. نزاهة الحرفيين وإحترامهم للبيئة. آمل أيضاً أن يتعرف أبناء أميركا الرائعون إلى وجهنا الخلّاق. آمل أن تؤمّن هذه المُغامرة الصوت للذين لا صوت لهم".

البعض لا يفهم لم اختارت هذه الاقتحاميّة التي ترعرعت في الولايات المتحدة، أن تمضي "تقريباً كل صيفيّة في هذا النظام المُعطّل. وأجيبهم باستمرار أن للبنان نكهته الخاصّة".

جمال هذا البلد "الخربان" يكمن في جنونه، وفي "خربانه".

الآلاف يهربون من البلد، ومايا الهاشم عادت لتبني فيه هذا المشروع الذي يحتفي بالأرض وحكاياتها الموجعة ببساطتها مع المُزارع والحرفي. ومايا تقول لهم "الأرض يبست. وفي مشروع (طريق الزعتر) راجعين نسقي الأرض لكل من يُريد أن يزرع. نفتح الطريق عبر الإنترنت لكل المنتجين والمزارعين في لبنان (ليوصّلوا تعب إيدين) للسوق الأميركيّة. تعاملنا مع خبراء في الولايات المتحدة مُتخصصين في ترويج المأكولات. خُبراء عملوا في شركات كبيرة لتجهيز أفضل الفرص لترويج المنتجات بأرقى طريقة. لا أشك في نجاح المشروع. صحيح أنه مُموّل (متل ما لازم)، ولكنه مشروع يستريح على الكثير من الحب لكل المنتجين في أرضنا الجميلة والمقدّسة".

بدايةً، يتبنّى المشروع منتجات الطعام اللبنانيّة، ومع الوقت "نوسّع انتشارنا ليشمل الحرفيين المتخصّصين في المنزل والفنّ اللبناني، بما فيه الفخّار والزجاج. في الولايات المتحدة نلمس الشوق الحقيقي لمطبخنا. والزعتر والسمّاق والطحينة مكوّنات أساسية في أفضل المطاعم في نيويورك، بوسطن، شيكاغو...".

المارتيني المُطعّمة بالزعتر.

الستيك المطبوخة بأوراق الزعتر.
 


من غير الضروري أن نشرح الكلمة. والأكيد أن الأميركي سيستمع باهتمام ملحوظ إلى قصّة أبي الكوراني والزعتر. عشقه لهذه العشبة السحريّة التي ما زال ابن الـ85 يمزجها مع كلّ المأكولات. مع البيض المقليّ، والمحاشي، والبندورة المقصوصة "على الليبرة".
وليتمكّن الأميركي من أن يجد منتجاتنا بسهولة، ها هو مشروع Za’atar Road، يُقصّر المسافات. هذا المشروع هو الجواب. ولأن التحدّيات كانت كبيرة لإدخال المنتجات إلى الولايات المتحدة، كان لا بدّ من أن تكون الجودة عالية، ومصنوعة بأفضل السُبل، معلّبة بطريقة مُحدّدة، وتناسب السوق الأميركية وتتوافق مع شروط إدارة التغذية الأميركيّة. نحن نبيع المنتجات عبر موقعنا".

الزعتر قصّة حُب تُلخّص فصولها موسم الذكريات (وبالإذن مُجدّداً من الطيّب صالح). والحنين الموجع تحوّل جسر العبور بيننا وبين الآخرين.

Hanadi.dairi@annahar.com.lb

- بعض الصور من حفل إطلاق المشروع في دير الزيارة التابع لـجمعيّة Philokalia في عينطورة الشهر المنصرم. وقد أقيم حفل ضخم بالمناسبة حضره أحد أهمّ الداعمين للمشروع فادي شحادة ومايا من بوسطن.

- والبعض الآخر من حساب المشروع على "إنستغرام"، وتظهر فيه منتجات لبنانيّة انضمّت إلى المنصّة ‒ الحلم.