الثلاثاء - 01 تشرين الأول 2024
close menu

إعلان

هكذا تغلب الاقتصاد الروسي على العقوبات الغربية

المصدر: النهار
باولا عطية
روسيا
روسيا
A+ A-
منذ اندلاع النزاع الروسي الأوكراني عام 2014، والغزو الروسي للبلد المجاور عام 2022، فرضت الدول الغربية عقوبات اقتصادية مشددة على روسيا، بهدف إضعاف اقتصادها والضغط عليها سياسيًا. ورغم هذه الضغوط، تمكنت روسيا من التكيف مع البيئة الاقتصادية الجديدة وحققت نموا اقتصاديا مستدامًا في مجالات عديدة. وذكرت هيئة الإحصاءات الحكومية الروسية، تسجيل الناتج المحلي الإجمالي للبلاد نموا بمعدل 4% على أساس سنوي في الربع الثاني من العام الجاري بعد أن سجل 5.4% خلال الربع الأول. ورفع البنك المركزي الروسي، في أواخر تموز (يوليو)، توقعات النمو الاقتصادي للعام الجاري في روسيا إلى ما بين 3.5 و4% من النطاق السابق بين 2.5 و3.5%.
 
وكشفت حسابات لـ "رويترز" أن من المتوقع زيادة عوائد النفط والغاز الروسية 49 % على أساس سنوي إلى 8.3 تريليون روبل (89.4 مليار دولار) في الفترة من كانون الثاني (يناير) حتى أيلول (سبتمبر)، وذلك بفضل ارتفاع أسعار النفط وضعف الروبل.
 
وتشير تقديرات أولية إلى بلوغ عوائد روسيا من النفط والغاز في أيلول المنصرم، 779 مليار روبل صعودا 5% مقارنة بالشهر نفسه في 2023.
 
التفاف على العقوبات
فكيف تمكنت روسيا من التغلب على العقوبات وتحقيق نمو اقتصادي وضمان استمرار تصدير غازها ونفطها؟
 
شرح الأكاديمي والباحث في الشؤون السياسية والاقتصادية الدكتور محمد موسى لـ"النهار"، أنّه "ومع بداية الحرب الروسية الأوكرانية، كان الغرب يراهن على أنه يستطيع إسقاط موسكو من خلال العقوبات الاقتصادية، والتي فعلا ضربت كل القطاعات في روسيا لا سيما القطاعات الحيوية منها، أي عواميد الاقتصاد الروسي وأولها الغاز والنفط. وكان أخطر هذه العقوبات في 2023، عندما بدأ الحديث عن تسقيف النفط الروسي وعدم استيراده إلا تحت سقف معين".
 
ورغم هذه التحديات، لعبت عدة عوامل دورا محوريا في دعم الاقتصاد الروسي، وتمكينه من الصمود بل وتحقيق نمو، اذ وسعت روسيا شراكاتها الاقتصادية خارج الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وكانت الصين والهند ودول أخرى في آسيا، مثل تركيا، من بين أهم شركاء روسيا التجاريين. على سبيل المثال، بلغ حجم التجارة بين روسيا والصين في عام 2023 نحو 200 مليار دولار، ما جعل الصين الشريك التجاري الأكبر لروسيا. ولفت موسى إلى أنّ "روسيا توجهت شرقًا بحكمة، بفضل الأسعار التفاضلية، حيث أضافت خطا مع الصين، فبالإضافة إلى "سيبيريا 1"، أصبح لديها الآن "سيبيريا 1" و"سيبيريا 2". كما فتحت شراكة استراتيجية مع الهند، ما أدى إلى مضاعفة استيراد الهند للثروات الأحفورية من روسيا ".
 
تحول نحو آسيا
ورغم محاولات الغرب تقليص اعتماده على النفط والغاز الروسيين، حافظت موسكو على مستويات مرتفعة من صادرات الطاقة، مستفيدة من تحولها نحو الأسواق الآسيوية. ووفقًا للتقارير، ارتفعت صادرات النفط الروسية إلى الهند بنسبة 22% خلال عام 2023، مع ارتفاع أسعار النفط العالمية نتيجة الأزمات الجيوسياسية. ويُقدر أن روسيا حققت عائدات تتجاوز 300 مليار دولار من صادرات الطاقة خلال عام 2023.
 
كما توجهت روسيا لتعزيز الصناعة المحلية في قطاعات عدة كانت تعتمد سابقًا على الواردات الغربية، مثل التكنولوجيا والزراعة. فقد تمكنت من زيادة إنتاجها الزراعي، بخاصة في مجال الحبوب، لتصبح من أكبر المصدرين العالميين للقمح. وفي عام 2022، صدرت روسيا نحو 45 مليون طن من القمح، ما ساهم في تعويض التراجع في الصادرات الأخرى نتيجة العقوبات.
 
وعلى صعيد السياسة المالية والنقدية، اتخذت الحكومة الروسية إجراءات حازمة لحماية العملة الوطنية (الروبل) والحفاظ على استقرار النظام المالي. وعلى رغم الهبوط الأولي لقيمة الروبل، تعافى بشكل ملحوظ في نهاية 2022 واستقر خلال 2023. كما خفض البنك المركزي الروسي سعر الفائدة مرات عدة لتعزيز الاقتصاد المحلي، مع الحفاظ على احتياطات كبيرة من الذهب والعملات الأجنبية، بلغت قيمتها نحو 600 مليار دولار. ونوّه موسى بآداء الطاقم المالي الروسي، وعلى رأسه "وزير الاقتصاد ونائب رئيس الحكومة (وزير الطاقة)، وحاكمة البنك المركزي الذين أداروا الدفة بطريقة ممتازة وقرأوا في عقل الغرب".
 
قطب جديد
ولفت موسى إلى أنّ "العوامل الجيوستراتيجية لعبت دورا أساسيا في إنشاء قطب جديد هو بريكس. هذا التحالف فتح أبوابا أوسع للتعاون مع عدد من الدول. وهنا يجب التأكيد على أهمية دخول المملكة العربية السعودية والإمارات الى التجمع. فالأولى تمثل ثقلًا كبيرًا في عالم الثروات الأحفورية، والثانية تتناغم قيادتها مع موسكو. فعندما تلاقت القوتان من دول الخليج مع موسكو، أسستا سياسة جديدة لـ"أوبك بلس" لم تستجب إلا لمصالح هذه الدول، بعيدًا عن المصالح الأميركية، التي طالبت مرارًا بزيادة إنتاج النفط، لكنها اصطدمت بعقبة "أوبك بلس"، التي حافظت على الأسعار بطريقة متناغمة جدًا".
 
واعتبر موسى أنّ "هذا الاستقرار في الأسعار شكّل الأساس الذي بنيت عليه موسكو استراتيجيتها، ما أدى إلى تحقيق عائدات نفطية تقدر بما يفوق 85 مليار دولار. اللعبة الأساسية التي لعبتها موسكو كانت التوجه شرقًا، والاعتماد على التبادل بالعملات الوطنية في إطار دول بريكس. فكانت تتلقى المدفوعات باليوان والروبل والروبية الهندية، مع آليات مالية تضمن قيمة النفط في السوق. كما جرت بعض الصفقات مع الإمارات بالدرهم، وبعضها مع الهند أيضا بالدرهم. وهكذا تشكلت سلة عملات جديدة استفادت منها موسكو في تصدير الغاز، وساهمت على المدى البعيد في محاولتها ضرب الدولار كعملة احتياطي وللتبادل التجاري والتسوية المالية".
 
على مقلب آخر، ورغم العقوبات التي طالت العديد من القطاعات التكنولوجية، أظهرت روسيا تقدما في تطوير بدائل محلية للتقنيات الغربية. قطاع التكنولوجيا المالية (FinTech) على وجه الخصوص شهد نموا كبيرا، اذ زادت روسيا من اعتمادها على نظم الدفع المحلية مثل "مير" لتعويض القيود المفروضة على خدمات البنوك العالمية.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم