الخميس - 22 آب 2024
close menu

إعلان

كيف يتجنّب لبنان كارثة تسرّب نفطي جديدة؟

المصدر: "النهار"
التسرب النفطي بالقطران عند المنارة. ( حسن عسل)
التسرب النفطي بالقطران عند المنارة. ( حسن عسل)
A+ A-

لا يزال لبنان يعاني من آثار التسرب النفطي الذي ضرب شواطئه في شباط 2021، إثر تسرّب مادة القطران النفطيّة على شواطئ فلسطين المحتلة، والذي انتقل إلى شواطئنا. الخطة موجودة، ولكن الدولة لم تقرّ مراسيمها التطبيقيّة بعد!

 مصطفى رعد - صحافي متخصّص في القضايا البيئية

في شباط 2021، توحّد عدد من منظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية والبلديات ونوادي الغوص والمؤسّسات العلمية والمواطنين والمواطنات المتطوّعين لمواجهة امتداد التسرّب النفطي، وذلك من خلال تنظيم عمليّات تنظيف دقيقة بشكلٍ واسع على جميع الأراضي الساحلية اللبنانية، على الرغم من الإمكانيات الضعيفة والأدوات شبه المتوافرة وضعف الخبرات المطلوبة، وفي ظلّ غياب شبه كامل للمؤسسات الرسمية. كان من الممكن أن تتمّ إدارة الكارثة النفطية بطريقة مدروسة لو تم إقرار المراسيم التطبيقية للخطة الوطنية لمكافحة التسرّب النفطي في لبنان.

ما هي الخطة الوطنية لمكافحة التسرّب النفطي؟

شهد لبنان في السنوات الأخيرة تطوّرات مهمّة في مسيرة بناء قطاع النفط والغاز منذ تسعينيّات القرن الماضي. فقد قامت وزارة الطاقة والمياه وهيئة إدارة قطاع البترول منذ أكثر من ثلاثين عاماً بإطلاق دورة التراخيص النفطيّة، واستكمال التشريعات والإجراءات الإدارية والفنيّة، وضع الدراسات والخطط المتعلقة بالأنشطة البترولية، آليات للإدارة والرصد والإشراف، وبناء القدرات في الهيئة والجهات الرسميّة المعنيّة. وجاء إطلاق الخطة الوطنية لمكافحة التسرّب النفطي NOSCP (National Oil Spill Contingency Plan) في العام 2016. تمّت الموافقة على الخطّة في العام 2017 من قبل جميع الجهات الإدارية المختصّة، إلا أنه لم يتمّ التوقيع على مسوّدة المرسوم التطبيقي، على الرغم من جهوزيّتها لدى هيئة إدارة قطاع البترول اللبنانية.

تقول الدكتورة رانيا مارون، مؤلفة دليل NOSCP  الإرشادي، الذي يُسلّط الضوء على دور المجتمع المدني في الاستعداد والاستجابة لأي حادث تسرّب نفطي، في حديث إلى "النهار" إن "إقرار الخطة الوطنية لمكافحة التسرّب النفطيّ في المياه اللبنانية مهمة جداً، نظراً لكون لبنان قد التزم صراحة بحماية البحر الأبيض المتوسط، عبر التوقيع على اتفاقيّات عديدة، من أهمّها اتفاقية "حماية البحر الأبيض المتوسط من التلوث (اتفاقية برشلونة)" في العام 1976، واتفاقية "أوبرسي الدولية لمكافحة التلوّث النفطي بالتأهب والاستجابة والتعاون في العام 1990"، مضيفة أن لبنان "ملزم بالمصادقة وإقرار خطة لمكافحة التسرّب والتلوّث النفطيّين، كي تعمل منظمات دولية مثل الجمعية الدولية للحفاظ على البيئة في صناعة النفط IPIECA على مساعدة الدول في صناعة الخطط الوقائيّة".

وتلفت مارون إلى أن "شركات التنقيب عن النفط الأجنبية تتوقع أن يكون لدى الدولة اللبنانية خطة كاملة لمواجهة خطر أيّ تسرّب نفطي في البحر، إلى جانب خطة الاستجابة وإدارة التسرّب النفطيّ التي تضعها شركات التنقيب".

وتشدّد مارون على أن "تطبيق الخطة يحمي ويساعد في إدارة أيّ "تسرّب نفطيّ محتمل من النشاطات البشرية، لا سيما من خلال التسرّب الاحتمالي من خزانات النفط الموجودة على الساحل اللبناني، وخزانات شركات الكهرباء التي تقوم بتفريغ بواخر النفط، وبنقل هذه المادة عبر الشاحنات"، مضيفة أنّه من الضروري "إقرار الخطة والمرسوم كي يتمّ احتواء أيّ تسرب بالسرعة اللازمة وبأقلّ ضرر على البيئة البحرية والبرية".

ووفق الدليل، تمّ تطوير الخطة الوطنية لمواجهة التسرّب النفطيّ (NOSCP) في العام 2016، وهي خطة تتناول الاستجابة للتسرّب النفطي في البحر، بما في ذلك مساحة البحر الإقليمية، والمنطقة الاقتصادية الخالصة. وتسعى الخطة إلى حماية الحياة البشرية والموارد الطبيعية فضلاً عن حماية الموارد الاقتصادية والحفاظ على البيئة الساحلية والبحرية من أيّ آثار ضارّة يسبّبها التسرب النفطي.

وتتلخّص أهداف الخطة في ضمان جاهزية واستعداد الجهات المعنية مثل الجيش والهيئات الإغاثية ووزارات البيئة والأشغال العامّة والطاقة والمياه والداخلية والبلديات في توزيع المهام وإنشاء آلية للتفاهم المتبادل في ما بينهم وبين جهات حكومية وغير حكومية ومنظمات متنوّعة من القطاعين العامّ والخاصّ، بهدف تنسيق ودمج مواردها للاستجابة بفاعليّة في الوقت المناسب لمواجهة التسرّب النفطي ومنع امتداده. بالإضافة إلى ذلك، تعمل الخطة على تحديد المناطق الوطنية عالية الخطورة والمناطق الساحلية ذات الأولوية للحماية والتنظيف، بالإضافة إلى إنشاء غرفة عمليّات للمساعدة والتعاون مع البلدان والوكالات الإغاثية الدولية.

وتشير مارون إلى أن كتابة الخطة صار "بالاشتراك مع جميع الأطراف المعنية، الذين اجتمعوا لدراسة القدرات والأدوار القانونية التي من الممكن أن ينفذوها في حال حدوث أيّ تسرب نفطي، ومعرفة حجم الخبرات، ونوع المعدّات الموجودة"، بالإضافة إلى قيام المعنيين بوضع تقرير تقييم للاحتياجات. وقد "تم التوافق عليها في العام 2017 بعد مراجعتها وإبداء الملاحظات حولها، ولكن يجب دعم تنفيذ الخطة بمرسوم قانوني يصدر عن مجلس الوزراء".

وعلى الرغم من قيام "هيئة إدارة قطاع البترول" بتحضير مسوّدة المرسوم، فإنّ الأخيرة "لم تحوّل المرسوم بعد إلى مجلس الوزراء لدراسته وإبداء الملاحظات حوله، ومن ثَمَ يجب تحويله إلى مجلس النواب للتصويت عليه في الهيئة العامّة"، بحيث تلزم الخطة وفق مارون "الجهات المعنية بتطبيقها مع تعريض الأخيرة للمساءلة في حال مخالفتها التعليمات".

وتعزو مارون التأخّر في تحويل المرسوم إلى "حصول انفجار بيروت في 4 آب 2020 واستقالة الحكومة وعدم قدرة الهيئة على وضع المرسوم على جدول أعمال مجلس الوزراء".

ما دور المجتمع المدني في رفع الوعي؟

يؤدّي المجتمع المدني دوراً مهماً في تدريب أصحاب المصلحة المشتركة على الممارسات الفضلى في تعزيز الحوكمة والشفافية في قطاع الصناعات الاستخراجية، وإدارة موارد النفط في لبنان من خلال المناصرة الفعّالة والمشاركة المدنية.

ومن هنا، يرى تحالف "انشر ما تدفع" العالمي أن "الظروف المأساوية، التي يمرّ بها لبنان، لا تزال تراكم آثاراً سلبيّة على قطاع النفط والغاز. ولذلك تمّ إطلاق "التحالف اللبناني لحوكمة الطاقة"، الذي سعى ولا يزال، بالتعاون مع المنظّمات المحلية المختصّة، إلى تحضير أسس الاستثمار الوطني لقطاع النفط والغاز في لبنان، انطلاقاً من "إيمان التحالف بلبنان وموارده البشريّة والطبيعيّة، وحتمية قيام قطاع شفّاف ذي إدارة سليمة، يحافظ على ثروات الأجيال المقبلة".

تقول كريستيل حايك، مديرة البرامج في "المبادرة اللبنانية للنفط والغازLOGI"، وهي عضو في التحالف، في حديث إلى "النهار" إن "المبادرة تقوم منذ العام 2018 بتزويد المجتمع المدني بالمعلومات والتدريبات اللازمة، بالشراكة مع منظّمة "يوميات المحيط" و"مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية (FES)"، كي يكون شريكاً فاعلاً في الاستجابة لأيّ تسرّب نفطيّ، من خلال نشر المعلومات، الرصد والتقييم، المناصرة، التوعية، والتدريب على الاستعداد للكارثة"، لافتة إلى أن المبادرة "تسعى مع منظّمة يوميات المحيط بعد وقوع حادث التسرّب النفطي في شباط 2021 إلى التواصل مع الأفراد والجمعيات والمنظمات والبلديات التي كانت حاضرة على الأرض، بهدف تحديد الثغرات والموارد التي كانوا بحاجة إليها، وسنشارك نتائج هذه الدراسة في كتيب مع جميع المعنيين بحماية البيئة في لبنان".

يلفت التحالف أيضاً إلى "أهمية حركة المجتمع المدني الإيجابية في هذا الملف، في سبيل مراقبة عمل الحكومة في هذا القطاع". والأهمّ هو انضمام التحالف اللبناني مؤخّراً إلى تحالف "انشر ما تدفع" العالمي، ممّا يوفّر له ولأعضائه مصداقيّة وحماية كبيرتين، ويفسح المجال للمشاركة في المنتديات والنشاطات الإقليميّة والدوليّة".

 ويشدّد التحالف على ضرورة "بناء مشاركة فعّالة ومستقلة للمواطنين والمواطنات، ليكونوا جزءاً أساسيّاً في عمليّات التخطيط وصنع القرار في هذا القطاع".

 المطلوب اليوم الضغط على الفاعلين في الدولة اللبنانية لوضع المرسوم على جدول أعمال الحكومة الجديدة لدراسته وإبداء الملاحظات حوله، ثمّ المصادقة عليه وإقراره وإلزام الجهات المعنية بتطبيقه.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم