حملت الجلسة الثالثة والأخيرة للحلقات الحوارية التي تقيمها لجنة قدامى مدرسة الـ Grand Lycee Franco Libanais في بيروت، عنوان "التنمية المستدامة للمؤسسات". أدارت الحوار مديرة مشاريع تغيّر المناخ في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ووزارة البيئة ليا قاعي، وشارك في الجلسة رئيس مجلس إدارة شركة "بيوماس" ماريو مسعود، ومؤسِّس الشركة الاستشارية "كابيتال كونسبت" ياسر عكاوي، والمديرة التنفيذية لـ UN GCNL، دينا فاخوري.
دار الحوار حول أهمية تحوّل الشركات إلى شركات مستدامة في مختلف القطاعات. في هذا السياق، نسأل ما أهمية هذا التحوّل وكيف تتّجه الشركات إلى هذه المعايير، وغيرها من الأسئلة التي يجيب عنها الخبراء لـ"النهار".
شكّل وجود مسعود نموذجاً عملياً لهذا التحوّل، وتحدّث عن تجربته. ويقول لـ"النهار" إنّه يمكن التحوّل نحو الاستدامة في جميع القطاعات وهو مجال واسع جداً ويدخل في صناعات عديدة، إذ يمكن استخدام المستلزمات الصديقة للبيئة فيها، وهو مجال يتطوّر في جميع الصناعات، ومَن يبدأ بالاستثمار بالمستدامة حالياً يقطف ثماره على المدى البعيد.
برأي مسعود أنّ هناك واقعاً عالمياً علينا مجاراته والأمر غير مكلف على مستوى التغييرات البسيطة داخل المؤسسة، كما أنّه يمكن التحوّل تدريجياً نحو عالم الاستدامة ولو استغرق الأمر بعض الوقت، وفي لبنان قطاعات تسير بهذا الاتجاه أسرع من قطاعات أخرى لا سيما قطاع الزراعة.
وإذا رغبت شركة ما بالتطوّر والتوسّع خارج لبنان، "فهذا هو الوقت المناسب"، وفق مسعود، وهذا ما حدث مع شركته. ويروي أنّه بفضل اعتماده على الاستدامة في مزارعه لناحية اعتماد الطاقة البديلة مثلاً إلى جانب أمور أخرى صديقة للبيئة، زادت إنتاجية مزارعه ووفّر الطاقة وكلفة الإنتاج.
وما هو أهمّ من ذلك، ساعدته الاستدامة على الدخول إلى سوق المملكة المتحدة بمنتَج لبناني "لم نكن نحلم سابقاً بأن ندخل به إلى هذه الدولة"، بالتعاون مع شركة عالمية موجودة في 120 بلداً، وهي أكبر شركة لتجارة الأفوكا. وقد فتحت لـ"بيوماس" سوقاً في المملكة المتحدة وفي 20 بلداً آخر. ويعود ذلك إلى معايير الاستدامة والمؤسسة الاجتماعية التي تعمل مزارع "بيوماس" في إطارها، وهي معايير عالمية.
الأزمة هي الفرصة
وتتعاون قاعي مع وزارة البيئة منذ حوالي 15 عاماً لتطبيق كل ما يتعلق بالاستدامة في شركات القطاع الخاص، لاسيما على مستوى التغيّر المناخي، "فنحن نعلم أنّ وزاره البيئة عاجزة عن تمويل وإقامة هكذا مشاريع لا سيما بعد الأزمة".
ويحفّز البرنامج الشركات ويوجّهها ويضع السياسات التي على أساسها يجب أن تسير على المستوى البيئي والحفاظ على الاستدامة، وجميع القطاعات معنية في هذا الأمر.
إلى ذلك، فتحت الأزمة المجال أمام الشركات الصغيرة للدخول إلى السوق والبدء بمشاريع مستدامة وصديقة للبيئة من الصفر، تؤكد قاعي. وتضيف أنّ التحوّل نحو الاستدامة ليس مكلفاً لا سيما بعد رفع الدعم عن السلع الأساسية، وتلتمس حاجة المؤسسات لهذا النوع من التوجهات في ظل عدم دعم الدولة لها، "فهناك طلب كبير على هذا التوجّه".
وبحكم الأزمة الحالية، تجد قاعي أنّه "الظرف الأمثل لتتحوّل الشركات إلى شركات مستدامة، فهي فرصة يجب أن تستغلها خصوصاً وأن هناك دعماً كبيراً يأتي إلى لبنان لتعزيز ودعم هذا التحوّل من المنظمات الدولية لاسيما على المستوى التقني والمعرفي".
كيف يمكن للمؤسسات في لبنان أن تصبح مستدامة؟
يجيب عكاوي أنّ شركته تقدّم خدمات استشارية تهدف إلى وضع الشركات الراغبة على سكة الاستدامة لتواكب المعايير الدولية، ما يسهّل عليها فتح خطوط إلى الأسواق الدولية لمراعاتها هذه المعايير.
كما أنّ هناك برامج عديدة من منظمات دولية ومنظمات غير حكومية تساعد الشركات لتفهم كيفية التحوّل بالطرق الأنسب وبكلفة أقل.
بهدف تمكين الشركات من التصدير والتعامل مع زبائن حول العالم، "عليها إظهار مدى التزامها بمبادئ الحوكمة، وهنا يجب إعطاء الأهمية لتأثيرها على البيئة والمجتمع، ونتحدّث عن مفهوم الـ ESG، وهو أصبح معياراً عالمياً على جميع الشركات الالتزام به، والشركات التي تلتزم به تحظى بفرص أكثر للدخول إلى الأسواق الدولية أو الاستحصال على خدمات مصرفيه أو مالية للاستثمارات"، وفق عكاوي.
وعن عدد الشركات التي تحوّلت نحو هذا العالم في لبنان، يقول عكاوي إنّ "هناك 100 شركة في السوق اللبنانية تحوّلت عن طريق شركتنا، ورقم 100 هو رقم هائل في غضون سنة". وسنلاحظ التزام عدد أكبر من الشركات في المستقبل لمواجهتها صعوبات في دخول الأسواق الخارجية.